بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Monday, December 10, 2007

أترجم هذه الأيام


Simple Genius للكاتب الأميركي الشهير ديفيد بالداتشي


وهذه ترجمة الفصل الأول منها


هناك أربع طرق معروفة من خلالها يلقى المرء خالقه: أن تموت لأسباب طبيعية كالمرض؛ أو أن تلقى مصرعك في حادث؛ أو أن يقتلك غيرك؛ ويبقى أن تقرر أنت الإنتحار. أما لو كنت من سكان العاصمة (واشنطن)، فعندها تكون أمامك طريقة خامسة للموت: الموت السياسي. وله العديد من المصادر: العربدة في محفل عام مع راقصة مثيرة ليست بطبيعة الحال زوجتك؛ أو أن تكدس أكياس المال بينما هذا الذي دفعها لك لم يكن سوى عميلاً للمباحث الفيدرالية؛ أو أن تغطي على عملية سطو.
كانت (ميتشيل ماكسويل) تسارع الخطى فوق أحد أرصفة العاصمة، ولأنها ليست من السياسيين، فإن الخيار الخامس لم يكن متاحاً أمامها. والحقيقة أن الليدي كانت في تلك اللحظة تتمنى من كل قلبها لو أنها استيقظت في الصباح التالي لتجد أنها فقدت الذاكرة، كل الذاكرة. كان هناك الكثير مما تود لو أنها قد نسيته؛ الكثير مما تتوق إلى نسيانه.
عبرت (ميتشيل) الشارع، ودفعت باب البار الذي امتلىء بثقوب صنعتها رصاصات، ودلفت للداخل. صدم الدخان وجهها، بعضه كان دخان السجائر. أما أغلبه فكان كفيلاً بأن تخصص له وكالة مكافحة المخدرات بالكامل.
سحقت موسيقى صادحة وتكاد تفجر الأدمغة كلّ الأصوات الأخرى بالمكان، وكأنها تجهز كل هؤلاء كمرضى لدى جيش من إخصائي السمع. وبينما تعالت أصوات خشخشة الكؤوس والقنينات، كانت هناك ثلاث سيدات على أرضية المرقص. وفي تلك الأثناء، كانت هناك مضيفتان توزعان الصواني والسباب، متحفزتان للنيل من كل من يحاول العبث معهما.
إنتبه الكل في البار إلى دخول (ميتشيل)، فقد كانت الوحيدة من أصحاب البشرة البيضاء في هذه الليلة وربما أية ليلة أخرى. إلتفتت إليهم بتحدٍ كان كافياً لأن يعيدهم إلى ما يشربون وما يتحدثون عنه. كان لهذا الوضع أن يتغير، فميتشيل ماكسويل كانت طويلة وجذابة جداً. أما ما لم يدركوه أن من الممكن أن تكون مصدر خطر لا يقل عن أي إرهابي لف حول خصره حزاماً ناسفاً، وأنها تبحث عن أي سبب يبرر لها أن تفرغ طاقة غضبها في وجه أي أحد.
توجهت (ميتشيل) إلى طاولة عند أحد الأركان بالخلف وجلست إليها، وأخذت ترتشف أول شراب لها في تلك الليلة. وبعد ما يفوق الساعة من تناول مشروبات مختلفة، بدأ غضب المرأة يتزايد. بدت عيناها أشد جحوظاً وقساوة، بينما تحول بياض العينين إلى اللون الأحمر. أشارت بإصبعها نحو مضيفة عابرة فأحضرت لها آخر شراب أطفأت به ظمأها. الآن صار كل ما تريده (ميتشيل) هو هدف تسدد إليه غضبها المحموم الذي يكاد جسدها يعجز عن كبته.
جرعت كأسها حتى آخر قطرة، ثم نهضت ومسحت بيدها على شعرها الفاحم تشيح به عن وجهها. ومع يدها كانت عيناها تمسحان أرجاء المكان بقعةً بقعة بحثاً عن ذلك المحظوظ. كان هذا أسلوباً زرعته فيها سنوات (الخدمة السرية) حتى تحولت غريزة المراقبة هذه هي الطريقة الوحيدة التي تنظر بها إلى أي شيء أو أي شخص.
لم تستغرق (ميتشيل) وقتاً طويلاً قبل أن تجد ذلك الشخص الذي جسد لها كابوسها. كان أطول من أي شخص آخر بالمكان. أسمر الرأس، أصلعه وأملسه، بينما تدلى قرط طويل من كل أذن من أذنيه السميكتين. عريض الكتفين لدرجة مبالغ فيها. يرتدي سروالاً مموه واسع، وحذاء عسكري أسود، فوقهما قميص قطني أخضر عسكري يظهر عضلات ذراعيه المفتولتين. وقف هناك يرتشف من قدح الجعة، ويهز رأسه مع إيقاعات الموسيقى، ويدندن بكلمات الأغاني بصوت يستحيل سماعه. من المؤكد أنه الرجل الذي تبحث عنه.
نحت (ميتشيل) جانباً رجلاً وقف في طريقها، ثم توجهت نحو ذلك الجبل الحي وربتت على كتفه. بدا الأمر كما لو أنها تلامس جلموداً من الجرانيت؛ وكم هو قريب بالفعل من هذا. لقد كان على (ميتشيل ماكسويل) هذه الليلة أن تقتل رجلاً. هذا الرجل بالذات.
إلتفت إليها، ترك السيجارة تنزلق من شفتيه وتناول رشفة من الجعة، ومن القدح الذي لا يكاد يُرى في كفه الذي بدا أشبه بكف دب.
لا شك أن للحجم أهميته، هكذا ذكرت نفسها.
"ما الأمر، جميلتي؟"، سألها في خمول وهو ينفث حلقات الدخان إلى السقف ويبتعد بنظره عنها.
خطوة خائبة، عزيزي. وجهت قدمها بغتةً وفي سرعة لتسدد ركلة إلى فكه، فترنح مشدوهاً للخلف، ليرتطم برجلين ضئيلي الجسد ويسقط معهما أرضاً. شعرت (ميتشيل) بموجة ألم ترتد من أصابع قدمها وحتى عضلات معدتها، كم كان صلداً ذلك الفك.
سدد إليها القدح؛ إلا أنه لم يصبها، فجاوبته بركلة أمامية قوية لم تخيب هدفها. إنثنى جسده للأمام بفعل قوة الركلة التي شعر أنها مزقت معدته. وسرعان ما أتبعتها (ميتشيل) بركلة عنيفة إلى جمجمته حتى خيل لها أنها تسمع صوت صراخ فقرات عنقه وسط هذا الصخب المهلك للموسيقى. سقط للوراء، ويده تضغط على رأسه الدامية، وعيناه متسعتان في ذعر من كل هذه القوة التي يواجهها، ومن سرعة ودقة هذا الهجوم.
حدقت (ميتشيل) في برود إلى جانبي عنقه السميك الذي لم يتوقف عن الارتجاف. إلى أين تسدد ضربتها الآن؟ إلى وريده العنقي؟ أم إلا ذلك الشريان الذي يشبه في سمكه قلماً من الرصاص؟ أو ربما إلى قفصه الصدري، فيتوقف قلبه عن النبض؟ إلا أنها وجدت أن الرجل قد فقد سيطرته على هذا العراك.
هيا، أيها الفتى، لا تخيب ظني. لقد جئت إلى هنا خصيصاً من أجلك.
كان كل من بالمكان قد تراجع إلى الوراء مفسحاً الساحة، عدا إمرأة هرعت عبر المرقص وهي تصرخ باسم الرجل. وجهت لكمة من قبضة يدها السمينة إلى رأس (ميتشيل)، لكن (ميتشيل) تفادتها ببراعة، وبادرت بالقبض على ذراع مهاجمتها، ولوتها خلفها ودفعتها بقوة للأمام. فاندفعت المرأة لترتطم بإحدى الطاولات وإثنان من كبار السن كانا يجلسان إليها.
عادت (ميتشيل) لتواجه رفيقها، الذي كان متكوماً، ويتنفس في صعوبة قابضاً على معدته. إلا أنه باغتها بهجمة سريعة. ردت هذه الهجمة بركلة حطمت وجهه، وأتبعتها بضربة من مرفقها سددتها إلى قفصه الصدري. وأجهزت عليه بركلة جانبية مزقت غضروف ركبته اليسرى. سقط الضخم أرضاً وهو يصرخ في ألم. لقد تحول العراك الآن إلى مذبحة. تراجع الحشد الساكت إلى الوراء في خطوة جماعية واحدة، وهم عاجزون عن تصديق أن داوود قادر على أن يفعل كل هذا بجالوت.
كان الساقي قد هاتف الشرطة بالفعل. ففي مكان مثل هذا، لا يكون بجهاز الهاتف سوى رقمي استدعاء فوري، أحدهما لشرطة النجدة والآخر للمحامي. ومع هذا ومما تبدو عليه الأمور، فإن وصولهم إلى هنا في الوقت المناسب صار موضع شك.
نجح الضخم في الوقوف منتصباً على قدمه السليمة، والدم ينزف بشدة على وجهه. كانت الكراهية الطاغية في عينيه تكفي عن كل كلام يمكن أن يقال: إما أن تقتله (ميتشيل) أو أنه سيقتلها.
رأت (ميتشيل) نفس هذه النظرة على وجه كل وغد لقنته درساً، وكم هي طويلة قائمة أسماء هؤلاء الأوغاد. لم يحدث أبداًَ من قبل أن كانت هي البادئة في أي عراك. فقد كان أغلبه نتاج تعدي متحذلق عليها بعد أن عمي عن كل ما تعكسه شخصيتها. وبعدها كانت سرعان ما تنجح في صد الاعتداء ودحر هذا المعتدي بعد أن تترك بصمة حذاءها على رأسه.
لوح بالنصل تجاه وجه (ميتشيل) بعد أن سحب مديته من جيب سرواله الخلفي. أصابتها خيبة الأمل بسبب اختياره لهذا السلاح ولطريقة استعماله له. وسرعان ما طيرته من يده بركلة بارعة من قدمها كسرت واحداً من أصابع يده.
تراجع للوراء حتى لامس ظهره البار. لم يعد يبدو بكل هذه الضخامة الآن. فقد كانت فائقة السرعة، بارعة المهارة، فبطل مفعول كل هذه العضلات التي تغطي جسده.
أيقنت (ميتشيل) أن ضربة واحدة منها تكفي الآن لقتله: ضربة خاطفة على عموده الفقري، أو لطمة توجهها إلى شريانه؛ فقد صار طيعاً بين يديها الآن. وازدادت يقيناً حينما رأت تلك النظرة على وجهه. بلى، بوسع (ميتشيل) أن تقتله فترتاح من كل هذه الوساوس الشيطانية التي تعتمل في صدرها.
إلا أن شيئاً ما ارتج بغتةً داخل مخها بعنف كاد يدفعها إلى تقيوء كل ما شربته على أرضية المكان المذعور. ربما كانت هذه أول مرة منذ سنين ترى فيها (ميتشيل) الأشياء على حقيقتها. وكم أدهشتها سرعة اتخاذها للقرار. فما أن اتخذته، حتى كان حاسماً لا رجعة فيه. فقد قررت أن تمارس ما مارسته طيلة حياتها: أن تتصرف من وحي اللحظة.
طوح نحوها بلكمة يائسة لم تجد (ميتشيل) صعوبةً في تفاديها. بعدها سددت إليه ركلة أخرى، هذه المرة إلى أربيته، إلا أنه نجح في أن يقبض بيده الضخمة على فخذها. دب النشاط فيه ما أن أدرك أنه قد وضع يده على هذه الغريمة المراوغة، فارتفع بجسدها ثم طوحه عبر البار إلى رف قنينات الشراب. وبدوره دب الحماس في الحشد الذي ابتهج لهذا التغير في مسار الأحداث، فأخذ يصرخ في صوت واحد..."أقتل العاهرة. أقتل العاهرة".
صرخ الساقي غاضباً وهو يرى مخزونه من الشراب يراق على الأرض، إلا أنه سكت حينما إقترب الضخم من البار ووجه له لكمةً أفقدته وعيه. بعدها أمسك بميشتيل وأوقفها على ساقيها قبل أن يضرب برأسها لمرتين متتاليتين تلك المرآة التي كانت معلقة فوق رف المشروبات المراقة. تحطم الزجاج وربما تحطمت معه جمجمة (ميتشيل). وجه ركلة غاضبة بركبته إلى بطنها، ثم ألقاها نحو الوقوف إلى الجانب الآخر من البار. فارتطمت بالأرض في عنف ليسكن جسدها حيث سقط، ووجها يدمي، بينما يرتجف جسدها بشدة في خلجات متتالية.
قفز الحشد إلى الوراء أكثر وهم يرون الضخم يطير ليهبط عند رأس (ميتشيل). جذبها من شعرها ورفع جسدها لتقف على قدميها، إلا أن جسدها كان متهدلاً كاليويو. أخذ ينظر إلى جسد (ميتشيل)، وكأنما يريد تحديد هدف ضربته القادمة.
صرخت فيه رفيقته، التي كانت قد نهضت عن الأرض وهي تتلمس بقع الشراب التي امتلىء بها رداءها. "ألطمها على وجهها. على وجهها اللعين، (رودني). لقد حطمته بالفعل".
أومىء (رودني) برأسه وهو يطوح بقبضته للوراء تمهيداً للكمة المنتظرة.
عادت رفيقته تصرخ:"إلى وجهها اللعين، (رودني)!".
بينما أخذ الحشد البشري يزأر وبكل حماس:"أقتل العاهرة!"، كانوا يشعرون أن المعركة على وشك أن تنتهي فيعودون إلى شرابهم وسجائرهم.
عندها انسلت ذراع (ميتشيل) في سرعة خاطفة، حتى أن (رودني) لم يدرك من الأصل أنه قد ضُرب على كليته إلا بعد أن بث مخه إشارات ألم لا يطاق. ابتلعت صرخات غضبه وألمه أصوات الموسيقى التي تصدح عبر مكبرات الصوت عند البار. وسرعان ما أصابت لكمته رأسها، فطار لها أحد أسنانها؛ ثم عاد يلكمها؛ لينفجر ينبوع دموي من أنفها وفمها. وهم (رودني) الضخم بالإنقضاض على فريسته بالضربة القاضية حينما اقتحمت الشرطة المكان، مشهرةً أسلحتها، وكأنما تبحث عن مبرر فتطلق النار من فورها.
لم تسمع (ميتشيل) ما أحدثه دخولهم من جلبة، وانقاذهم لحياتها، وإقتيادها معهم. فقد كانت تدخل في دوامة اللاوعي بُعيد اللكمة الثانية، ولم تتوقع أبداً أن تعود حية من هذه الغيبوبة.
كان آخر – وأبسط – ما فكرت فيه قبل أن تفقد وعيها تماماً هو :"وداعاً، (شين
)".

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home