بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Thursday, February 16, 2006

ياللي فارقت الدنيا كان بدري الوداع
وطلعت فوق بعيد عن الزيف و الخداع
.....
واحشني ياطيب ياأرق من الملاك
فاكرك وفاكر قد أيه اتهنيت معاك
وكنت أتمنى يكون عمري فداك
دلوقت باحلم بس أعيش لحظ معاك
.......
ياللي مشيت من غير ما حتى تقول سلام
هافضل على عهدك كأني معاك تمام
......
مين اللي قال البعد بينسى الحبايب
تعالى شوف حبي وشوف قلبي اللي دايب
....
مين بعد منك هايداويلي جروحي
مين اللي في حضنه الحنين هانسى روحي
......
مع السلامة ياحبيب قلبي وسلام
ياريت تزورني كل ليلة في المنام

(إهداء إلى زوجتي الراحلة ...أماني)

الأرسنال..في حلقة مفرغة !

بعد عامين من تلقيبهم بالفريق الذي لايقهر ..نجد أن الأرسينال الآن لا "يتعشم" سوى في نيل مركز يؤهله للعب في دوري الأبطال الأوروبي!

الفريق لايكاد يخرج من أزمة حتى يجد نفسه في أخرى. فقد أصبح خط الدفاع يخطأ بمعدل خطأ لكل مباراة وهو معدل "كارثي" للعارفين بكرة القدم، بينما يفتقد خط الوسط إلى القائد والعقل الذي كان يميز أسلوب لعب الفريق في الأعوام الأخيرة، في حين أن الأمل في تجديد عقد تيري هنري يضعف يوماً بعد يوم وأصبح من المحتمل ألا نراه في أرض الأرسنال الجديدة (آشبورتون جروف).

لقد خسر المدفعجية 9 مباريات حتى الآن (!!) مقارنة بـ14 في مجموع المواسم الأربعة الأخيرة (!!). ومع افتراض عدم تأهله لدوري الأبطال – ومايعنيه هذا من تداعيات مالية سلبية هائلة- فقد يكون هذا إيذاناً بعودة منحنى الفريق إلى الهبوط السريع بشكل يذكر بفترات الثمانينات و التسعينات الكالحة بعد أن اعتاد أنصار الفريق على وجوده فيمابين الأول و الثاني خلال الثمانية أعوام الأخبرة.
وكل مايأمل فيه أنصاره الآن هو أن تكون بداية الصحوة مع الهزيمة الصعبة التي تلقاها على يد ليفربول حيث أن الهدف الآن هو انتزاع المركز الرابع مع نهاية الموسم وألا يسبقه إليه جاره اللدود توتنهام.
إن بيع باتريك فييرا لليوفي والفشل في إيجاد البديل كان من أهم عوامل سقوط الأرسنال، خاصة مع إصابة إدو مع قرب نهاية عقده. ولم يسع فينجر سوى أن يعتمد على "الوجوه الجديدة" ولكن فابريجاس و فلاميني فشلا في شغل الفراغ في خط الوسط حيث ظهر ذلك مع كل مواجهة قوية في الدوري.
وحتى حينما حاول فينجر أن يعالج المشكلة في فترة يناير صوب أنظاره إلى الناشئين من أمثال الفرنسي (عبدو ديابي) من أوكسير. وإن كان قد نجح في إستجلاب لاعبان "يحتاجان إلى الصبر" وهما (أديبايور) و (وولكوت).
وبنظرة مدققة نجد أن الأرسنال قد أنفق الكثير على لاعبي خط الهجوم مع نقص كبير في خط الوسط لا يخفى على عيان خبير مثل فينجر!! وليس الأمر يتعلق باحتمالات رحيل هنري إلى برشلونة...فلا أظن في إعتقادي الشخصي أن المدير الفني يرى أن هنري سيبقى خاصة مع تضاؤل فرصة الأرسنال في تحقيق شيء هذا الموسم ومع كل إغراءات البارسا.


إن عدم التأهل إلى دوري الأبطال 2006/2007 – في ظل تضاؤل فرصة تحقيق شيء في البطولة القائمة- سيتسبب في خسائر مالية هائلة..خاصة لو أضفنا لذلك أعباء قرض الملعب الجديد.."هل سيكون فأله سيئاً هذا الملعب ؟!" ولو نظرنا للأمور من الجانب المادي سنجد أن مسألة إعادة بناء الفريق ستكون من رابع المستحيلات في العام القادم...لذا أتوقع أن يكون الأرسنال من بين أندية الوسط التي بلا أنياب في البريميير ليج 2007.

إنها المستديرة تلعب لعبتها ...إذا لم يجد الأرسنال حلاً سريعاً لمشاكله قبل نهاية الموسم..فإن بانتظاره أيام مؤلمة طويلة ..
..ويبقى هذا مجرد رأيي الشخصي

محمد عثمان خليفة
مصر




Monday, February 13, 2006

أنباء عن بيع حصة في البنك التجاري الدولي

قال متعاملون إن أنباء عن بيع حصة في البنك التجاري الدولي وتقارير بأن المصرية للاتصالات تريد المنافسة على رخصة لشبكة ثالثة للهاتف المحمول في مصر دفعت الاسهم المصرية للصعود يوم الثلاثاء.وأغلق مؤشر هيرميس القياسي مرتفعا 472.74 نقطة أي بنسبة 0.7 في المئة الى 68602.27 نقطة. وأنهى مؤشر التجاري الدولي الاوسع نطاقا المعاملات مرتفعا 3.67 نقطة أو 1.3 في المئة عند 279.47 نقطة.وصعد سهم البنك التجاري الدولي الذي كان أكثر الاسهم تداولا يوم الثلاثاء من حيث القيمة بفعل تقارير بأن مجموعة من المستثمرين الدوليين ستشتري حصة قدرها 18.7 في المئة في البنك. وأبلغ مصدر مصرفي رويترز ان المجموعة يقودها صندوق ريبلوود هولدنجز الامريكي.وارتفع السهم في أواخر التعاملات 5.88 جنيه مصري (1.03 دولار) أي بنسبة 8.7 في المئة الى مستوى اغلاق مرتفع جديد عند 73.50 جنيه بعد أن سجل أثناء الجلسة أعلى مستوى له على الاطلاق عند 79 جنيها.ويملك البنك الاهلي المصري الحصة التي تقدر قيمتها بحوالي 1.3 مليار الى 1.4 مليار جنيه. ومن المقرر الاعلان رسميا عن بيع الحصة يوم الاربعاء
"هذا آخر حوار قرأته للأستاذ بلال فضل ...دققوا معي في أفكاره

أنا اتولدت في منشية البكري.. وأبويا وأمي كانوا بيدرسوا في جامعة القاهرة، وبعدين انتقلت للإسكندرية وعشت هناك في بيت العيلة.. بيت كبير.. وأنا مدين للإسكندرية بكل شيء.. بالخيال.. وبالرؤية المتمردة.. وبالشقاوة.. يعني إذا كان فيّ كل الحاجات دي فالفضل للإسكندرية.. لأن البحر بيديك أفق واسع، وبعدين الأحياء الشعبية اللي احنا كنا فيها أحياء ملتبسة.. اللي هي أحياء ماحدش يتصورها.. يعني "كرموز" و"جبل نعسة" والشوارع اللي فيها ناس عاديين على تجار مخدرات على بلطجية.. يعني العالم ده اللي أنا لما جيت أنقله للسينما عمل مشاكل عند الناس لأنهم مش متصورين وجوده.. لكن أنا طول الوقت عارف إنه موجود؛ عشان كده بينجح لأنه بيسمّع مع اللي عارفينه.."

"أنا والدي يمني.. ومولود في مصر وعايش في مصر طول الوقت.. وكان عندي مشاكل في حكاية الجنسية زي آلاف غيري، ولما اتحلت الحكاية واتحلت المشكلة خلاص أخدت الجنسية المصرية، بس طبعا ضاعت حاجات في الطريق زي مثلا إن أنا كنت الأول على دفعتي بس طبعا ماكانش لي تعيين فاتعين الرابع بعدي.. بس أنا مابقيتش زعلان على ده، ولا أيامها أساسا.. وفي الصحافة.. ماتعينتش في الصحافة.. يعني أنا لما كنت باشتغل مدير تحرير في "القاهرة" كنت باشتغل باتفاق مع "صلاح عيسى" مافيهوش أي ورق أو أي حاجة.. بس لما سبت الصحافة الحمد لله واتجهت للسينما.. السينما مهنة مفتوحة أكتر فمافرقش ده فيها خالص.. لغاية لما أخدت الجنسية وأخدت عضوية النقابة وبقت الحكاية خلاص يعني.."

هي المسألة مسألة تعود.. أنا لما بدأت الصحافة، كان أول منصب لي هو سكرتير تحرير وسكرتير التحرير ده هو اللي بيشيل الجرنان كله على أكتافه، وفي نفس الوقت ماسك الدسك، وفي نفس الوقت باعمل صفحة وباشتغل وباكتب موضوعات.. الرتم ده هو اللي عودني سرعة الإيقاع في كل حاجة حتى في شغل السينما.. فكرة إن إنت تبقى قادر تقسم دماغك تراكات.. كل مسار يفكر بشكل معين ويفكر في وقت معين.. يتزنق يعني ويقدر ينتج في زمن قليل.. فدي من الحاجات اللي أنا مدين بيها لمهنة سكرتير التحرير.. مهنة سكرتير التحرير هي ازاي تحط الجرنان 18 صفحة في دماغك.. التسليم إمتى؟ إيه الموضوعات؟ إيه الاختصارات؟.. يعني كل هذه التفاصيل لما تيجي ليك في بداية حياتك -كنت ساعتها عندي عشرين سنة- غصب عنك لازم تتعلم إن خلاص دماغك هتشتغل بالطريقة دي.. فأفضل شغل عندك ييجي في وقت قليل.. بس طبعا ده بييجي على حساب حياتك الشخصية وحياتك العائلية.. يعني تكاد تكون صلاتي مقطوعة بكل عيلتي وعيلة زوجتي لأن غصب عني.. ماقدرش في ظل التزام الصفحة وعمود المصري اليوم ومقال شهري في الشباب، ده غير شغل السينما، ده غير إنك فوق ده كله عشان تقدر تكتب كل ده لازم تقرا قده عشرين مرة جرايد وكتب وروايات وتتفرج على أفلام.. فتقريبا الواحد وقته كله شغل.. بس أنا -الحمد لله- بقالي فترة في حياتي ماباقعدش على قهاوي، حتى كل علاقاتي بأصدقائي كلها انقطعت تقريبا.. للأسف يعني.. ماعادش فيه أي صحبيات خالص..

كان فيه فترة طويلة قوي كان فيها صعلكة وفيها قهاوي وفيها تشرد فماعادش الموضوع ده بيشبع.. يعني بالأمانة مابقتش بالاقي إشباع.. ماعادش فيه جديد تقوله.. خلاص اتقال كل الكلام.. فكرة إنك تقعد مع ناس تقعد تنتقد الآخرين ماعادتش بتشغلني.. هي شغلت فترة طويلة من الوقت عندي.. خلاص إنت دلوقت بتشتغل..

الصحافة في الآخر إنت بتعمل إنتاج.. إنما الهزار اللي على القهوة وفكرة إن احنا نقعد نقنع بعض بحاجات.. طيب ليه؟ طيب ما إنت تقعد مع نفسك وتفكر فيها.. وبعدين أنا عودت نفسي على حاجة.. إن أنا -لو تلاحظ يعني- من فترة طويلة، من ساعة ما بدأت أكتب في الدستور، ما بانتقدش مبدع أبدا مهما كانت رؤيته.. ولا أنتقد واحد صاحب مجهود.. أنا ممكن أنتقد واحد صاحب سلطة.. منافق ولا موالس ولا واحد بيكتب كلام فارغ.. بقيت أحاول أدرب القلم على الحكاية دي، ولما هاحس إن فيه تشبع حصل عندي هاتوقف ومش هارضي القارئ في ده..

يعني أنا مثلا وقفت أوسكار الموالسة بقالي فترة طويلة لأن مابقاش عندي جديد أقوله.. خلاص.. يعني دايما ماتجريش ورا اللي القارئ متوقعه منك.. يعني دي نقطة باحس إني لما باعملها في الصحافة بالذات.. سيبك من السينما.. السينما دي موضوع تاني، وده اسمه "شو بيزنس".. صناعة.. فلازم تشتغل على اللي عاوزه الزبون لأنها صناعة.. إنما الصحافة رسالة.. فيه فرق كبير بينهم.. الرسالة والصناعة.. السينما جواها رسالة، لكن هي ليها أضلاع كتير ولازم ترضي الأضلاع دي.. وبعدين اللي بيتكتب في الصحافة وخاصة لكاتب ساخر.. لازم تبقى طول الوقت بتعيد النظر في حاجات.. يعني مش إن إنت تبقى شغال طول الوقت على "إسطمبه".. يعني أنا مثلا جالي تفكير بعد انتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان أن أوقف الكتابة في السياسة.. مبدئيا فكرت إني أوقف الصفحة أساسا.. لأني حسيت إنه خلاص هيتقال إيه؟ هنقعد تاني ست سنين نقول "حسني مبارك" و"جمال مبارك".. ماباحبش أحس إني بالعب دور.. خلاص احنا جينا في فترة تاريخية معينة ولعبنا دور، والدور ده هيتسجل لينا.. رفعنا سقف الحريات.. مش هاكلمك عن أسطورة تجربة "إبراهيم عيسى".. طبعا تجربة عظيمة هو في حد ذاته رائد فيها.. لكن هاتكلم عن الحتة بتاعتي أنا و"عمرو سليم".. في الصفحة دي رفعت سقف السخرية لحد غير مسبوق.. فخلاص بقى لازم إنت ماتقعدش اللي تعيده تزيده، وإلا هتبقى زي بتوع الحكومة..

فعلا أنا جربت أن أجس نبض بعض الناس فلقيت ردود أفعال غير عادية.. طبعا شيء مخجل إن الواحد يقول الكلام ده.. إنك بقيت جزء من حياة الناس.. إن يقول لك إنت بتضحكني أو بتسعدني أو باشوف منك كلام مختلف فبتحاول إن إنت تيجي على نفسك بس تغير الأشكال فبقيت أهتم بقالي فترة بفكرة إنها تكون صفحة فيها قصص أكتر.. فيها حكايات.. فيها وقائع.. مابتقولش آراء بقدر ما بتقول وقائع وحكايات.. ناس تحكي.. شخصية "أم ميمي" مثلا.. شخصية "عبد الله سيكا".. يعني الناس تقعد تقول ده حقيقي ولاّ مش حقيقي؟ ده موجود ولاّ مش موجود؟ ده الهدف اللي عايز أعمله، وفي الفترة الجاية هاعمل تطوير كمان أكتر..

أنا عندي خيارين بافكر فيهم، وهم إما إني في السنة الأولى أوقف قلمين وأعمل صيغة مختلفة خالص.. أعمل صيغة فيها بنائية شوية.. لأن قلمين دي جابت جمهور -بفضل ربنا يعني- كبير جدا من الناس العاديين اللي هم 16، و17، و18 سنة، وبقيت إنت بتشتغل على أفكار.. فكرة إعادة النظر في كل شيء.. في كل المسلمات وفي كل الكلام اللي بيتقال في الحياة.. فبقى عندك ناس ممكن تتلقى ده.. إنت عايز بقى تبني عليه.. يا إما كده يا إما إني هاستمر في نفس السكة.. إنها تبقى في منطقة روايات وحكايات.. اللي هي زي ما أنا سميتها "السكان الأصليين لمصر".. كل واحد يقول تجربته وشهادته.. وإذا وصلت لمرحلة مافيهاش جديد هاوقفها طبعا مش عايزة كلام..

أولا كنت لسه باسأل "إبراهيم عيسى" عن التوزيع فقال لي إنه زاد بشكل خرافي جدا.. رغم إن الناس كلها كانت بتقول: بعد الانتخابات خلاص.. على العكس.. الدستور دلوقتي رقم واحد.. مش بس في الأقاليم.. لا في القاهرة كمان.. لأنك إنت راهنت على فكرة إن إنت بتشاغب الناس، فالناس يفكروا معاك.. أنا مثلا بقى عندي مشكلة في حجم الإيميلات اللي بتيجي لي.. بقى بيعمل لي مشكلة شخصية في الحياة.. إن أنا ألزمت نفسي بفكرة إن أنا لازم أرد على كل الناس، فلازم أرد على كل حد.. ولازم تتعامل مع آراء الناس المختلفة.. وتتعامل مع إن الناس في لحظة ممكن يسقط منهم الحد ما بين إنهم عايزينك تعمل كذا، وبين إنك عايزهم يفكروا كذا.. ممكن يتخيلوا في لحظة إنك ممكن تعمل ليهم اللي هم عايزينه.. فلازم تدادي وتصبر وتتخانق.. يعني محتاجة صبر شوية.. فبتحرق وقت.. يعني هاضرب لك مثل: طول الوقت زمان كان بييجي لي 10 إيميلات في اليوم.. أنا النهارده الحمد لله بييجي لي من 40 لـ50 إيميل يوميا.. وبارد عليهم كلهم.. ألزمت نفسي بده.. مفيش حد ماباردش عليه.. رقم ضخم يقول لك إن بقى عندك قارئ عايز يتحاور معاك..

الصحافة هم كبير.. لأنها مهنة الكذب ومهنة تزييف الحقائق وتصفية الحسابات واللعب بالثلاث ورقات.. شفت الناس وهي بتبيع وتنهار وتسقط، شفت أساتذة كبار كنت فاكرهم حاجة ولما اشتغلت معاهم طلعوا حاجة تانية، أنا دلوقتي كاتب وباشتغل مع واحد أنا باحبه وله فضل عليّ وهو "إبراهيم عيسى".. الصفحة دي اللي خلّتني أكتب في المصري اليوم والشباب بضغط.. لكن لو اخترت هاختار السينما والأدب طبعا لأنهم عالمين هم الحياة بالنسبة لي مع احترامي الكامل للصحافة ولكل من فيها..

أنا دخلت الإخوان في المرحلة الإعدادية وحتى أولى ثانوي ثم تركتهم، لأني أراهم جماعة طاردة للتفكير.. الإسلام في رأيي لا يمكن تنظيمه.. الإسلام دين واسع وشامل.. فكرة إنك تعمل له جماعة هي فكرة أن تضع الريح في علبة، تنظيم الدين فيه خطورة، لأن المنظم له سيتصور أنه يملك الحقيقة.. غصب عنه حتى ولو كان وسطيا جدا في لحظة سيقول إنه يمثل الإسلام، فماينفعش.. لازم يكون الإسلام مفتوح لكل الناس..

الحرية لها قواعد، وفي نفس الوقت هي بالتدريج، وأغلب الذين ينادون بالحرية هم غير مؤمنين بها.. أنا باعتبر إني أصبحت -الحمد لله- مؤمن بالحرية بعد فترة من التدريب، ولهذا كتبت مرة أنه لحسن الحظ أنه لا يحكمنا بعض المثقفين، وإلا كانوا سحلونا في الشوراع، "مبارك" أرحم بينا منهم، فلا يوجد إيمان بالحرية لأننا نعيش في مجتمع قمعي كل واحد فينا يطلّع عين اللي تحتيه، ولذلك لابد أن نتدرب على الحوار والاختلاف، وأنه لا تتملق القارئ.. يضايقني جدا أن يتعامل معك القارئ على أساس إنك تعبر عن وجهة نظره، إنت بتاع الدستور يبقى لازم تعمل في السينما اللي بتكتبه في الدستور.. لأ أنا حر.. ولذلك فإنه من الصعب تصنيفي.. أنا أؤمن أن الإسلام يصلح كمنهج للحياة لكن بفهمي الخاص الذي يرى أن الإسلام يسمح بالبذاءة وموجود ده في كتب الأدب العربي اللي كتبها فقهاء كبار مثل "من غاب عنه المطرب" لـ"الثعالبي" ولن أقول لك "الأغاني" لـ"الأصفهاني" لأنه مش محسوب فقيه، و"ذم الهوى" لـ"أبي الفرج الجوزي"، وهو أشد الكتب تطرفا.. اقرأ "أخبار الظراف والمتماجنين" كله إباحة و"طوق الحمامة" والأمثلة كثيرة، فلي فهمي الخاص ولهذا لن يقبلني الشيوعي، ولا الإخواني، ولا حتى المتحرر سيقبلني لأني ضد مشاهد الجنس مثلا وأعتبرها تجارة بالغريزة، ولا المحافظ هيقبلني لأني مع حرية اللفظ، ولا أوافق أن أسكن وأسلم..

مطلقا.. خالص.. الوسط الفني محدود.. مش وسط كبير.. وعشان كده دخول الوسط يحتاج أولا إلى التوفيق.. أنا قعدت 7 سنين حتى نجحت في الدخول إليه.. أطرق الأبواب ولا مجيب.. سبع سنين تروح وترجع.. وهو ده طبيعة الوسط السينمائي حتى في هوليوود المعروفة بوجود ضوابط وقواعد.. هو وسط يحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب.. ولذلك فهو وسط من يلمع فيه سريعا ينطفئ فيه سريعا.. ولاحظ أن السينما عمل جماعي.. ولذلك أنا ماعنديش خالص أكاذيب من نوعية "لا أحد يغير لي جملة في السيناريو".. ساعات المؤلف يكون كاتب جملة عظيمة جدا إلا أن الممثل لا يستطيع أن ينطقها لا يجدها على لسانه.. فيتم تغييرها.. تبقى حمار لو إنت عملت مشكلة على ده.. واللي بيقول إن ده مش بيحصل كذاب.. سواء كان مؤلف كبير ولاّ صغير.

"الكاتب في مصر مالوش جماهيرية إلا بعد فترة طويلة، الجمهور التاني ده جمهور النجوم مش جمهور الموضوع اللي هم شايفين وعايشين الأحداث دي.. واللي بيعتقده النقاد إنه مفتعل أو متفبرك موجود فعلا، زي واحد بيعلق على فيلم "حاحا وتفاحة" في منتدى على النت وبيسأل: معقول يعني واحدة مصرية تتجوز صومالي؟ طيب يا سيدي أقول لك أنا إن خالتي متجوزة صومالي ومخلفة منه 14 عيل فعلا!، وفي نفس الفيلم جتني سيدة على باب السينما وقالت لي إنها اتصالحت مع أختها بعد ما شافت العلاقة بين الإخوات في الفيلم، بس.. أنا كده خلاص.. الرسالة وصلت لمن أريد.. تقول إنت بقى على الفيلم تافه أو غيره.. ده حقك".

"مفيش حد في الدنيا بياخد كل حاجة.. لازم تبقى واقعي.. أنا باخد إيرادات وباخد مكانة في سوق السينما سواء مادية أو معنوية.. فمش كمان هاخد احترام النقاد.. أنا في الأول كنت بازعل وأتضايق من ده خاصة إني باشوف سلوكيات منافقة كتيرة.. يعني مثلا يقول لك فيه في أفلامي ألفاظ بذيئة وفي أفلام "عادل إمام" يشوفوا نفس الألفاظ يقول لك ده حاجة جميلة.. دمك يتحرق لكن مع الوقت خلاص.. بل بالعكس بدأت أوصل إلى حقيقة.. وهي إنك كلما كنت ناجح في السينما كلما تتهاجم أكتر في الصحافة فلا تشغل بالك.. يجب أن أركز في الشغل وأنا أدرك أن الحكم آخر العمر.. الملتفت لا يصل.. عشان كده أنا باوثق الرسائل اللي بتوصلني. لما يبعت لي أستاذ في الجامعة ويقول لي أنا شفت فيلمك مع أولادي واتبسطت.. يبقى كويس جدا.. فيه كده وكده يعني.. أنا مش ضد خالص إنك تهاجم فيلم أو تقطعه حتى في النقد.. لكن فيه نقطتين.. الأولى إجباري وهي إنك مالكش دعوة بالجمهور.. ماتغلطش في الجمهور عشان لو غلطت فيه أنا هاشتمك.. لأنك لو غلطت فيه تبقى كداب ومنافق وبتتدعي حرية الرأي.. النقطة التانية الاختياري إنك لو ارتضيت أن تكون ناقدا، إنك تعرف أن الناقد قاضٍ وعليك أن تكون على إحاطة بظروف صناعة السينما.. لازم تروح تشوف الأفلام بتتصور ازاي.. السينما المصرية هي الوحيدة في العالم اللي بيتصور فيها 3 مشاهد في اليوم.. السينما في العالم كله تصور ما بين مشهد ومشهد ونصف.. فعشان كده لازم تطلع السينما كده..".

مع احترامي الكامل لـ"سامي السلاموني" اللي أنا من عشاقه كأسلوب كتابة، إلا أن "السلاموني" هاجم عددا كبيرا من الأفلام، وبعد سنوات أعيد الاعتبار لعدد منها، ومنها الأفلام التي صنعت أسطورة "عادل إمام" "رمضان فوق البركان" و"شعبان تحت الصفر" وغيرها، في الآخر هو قال رأيه، لكن قانون السينما مختلف، ودائما ما أذكر موضوع "محمد تيمور".. في عصره كان له سطوة كبيرة جدا، وكان "نجيب الريحاني" فنانا له شعبية كبيرة بين الناس، فما كان من "تيمور" إلا أن هاجم "الريحاني" والمؤلف "بديع خيري" بقسوة شديدة ووصف المرحلة دي بأنها مسيئة للسينما والمسرح، وقال بأن هذا ليس تأليفا إلا إذا كان التأليف في عرفنا أن تقوم جماعة من المؤلفين بجمع نكات السوقة والمواقف المخجلة ووضعها جنبا إلى جنب فيمكن أن نسمي هذا تأليفا.. هو نفس الكلام الذي يقال حاليا".

من حسن الحظ إني جلست فترة طويلة في الأرشيف.. فعشان كده قرأت كتير في فترة التكوين الفني في مصر.. ولما الأمورالمادية تحسنت معي بدأت أشتري مجلدات المجلات القديمة زي الكواكب والاثنين والدنيا.. والكلام هو هواه.. اللي بنعيده نزيده.. عشان كده مش هنتقدم... واحد كاتب مقال عن فيلم "حاحا وتفاحة" كاتب فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من شارك في هذا الفيلم وفي الجهة التي سمحت بعرضه وفي كل من شاهده) -يضحك-.. ده لا نقد ولابتاع.. ده عته.. أنا رجل أحب الصحافة وأكتب فيها لكن أعلم أنه يمكن الاستفادة منها في التأريخ الاجتماعي والسياسي ولكنها ليست معيارا للحكم على التاريخ الفني.. وأدلل لك على ده بـ"نجيب الريحاني" و"إسماعيل ياسين" و"شكوكو" و"فؤاد المهندس" اللي اتهاجموا كتير جدا".

أهم حاجة اسمها شباك التذاكر.. لأن هو اللي بيفتح البيت وبيصرف عليّ .. ده صندوق الانتخابات النزيه.. رغم ده أنا باحاول وهاحاول أعمل أفلام ممكن ماترضيش شباك التذاكر.. لكن ماحصلش نصيب إنها طلعت للنور .. بس يوم ما تتعمل وتفشل أنا مش هازعل لأني عارف إننا في وادي والناس وادي دي حقيقة فعلا.. بس مش هاسلم نفسي للاكتئاب.. ورغم إن أنا مش باحب أزايد.. بس أنا فلوسي رايحة على الكتب وأدعي أني أقرأ أكتر من ناس كتير يدعون الثقافة.. لكن فيه فرق ما بين إني أحب أٌقرأ لمفكرين وإني لما أكتب للسينما أعرف أنا هاقدم ده لمين؟، بداية التغيير حاولت أعملها شوية في "أبو علي" وهتبدأ بشكل حقيقي في فيلمي الجديد "واحد من الناس"مع "كريم عبد العزيز" اللي مالوش علاقة بقواعد السوق.. قصة حقيقة موجعة ومريرة جدا.. لأني خلاص حققت الأمان النسبي في السوق لأنه مفيش أمان مطلق.. بس بقى فيه ثقة.. يعني يوم ما أروح لمنتج وأقول ما تيجي نجرب حاجة تانية ما احنا جربنا الأول وكسبنا.. غير ما تيجي تقول له "إنكم تسحقون الشارع بأفلامكم التافهة فهيقول لك طيب روح شوف لك حد غيري ينتج لك".. السينما المصرية مش هتتغير إلا بده.. ومأساة الصحافة المصرية حاليا أنها شابة في كل شيء عجوزة في الفن.. "هنيدي" و"سعد" و"السقا" دول من جيلكم اقفوا جنبهم عشان يتطوروا.. مش ضدهم.. بس تلاقي "طارق الشناوي" يقول لك إن "أفضل" مخرج في 2005 هو "هاني خليفة" عشان ما اشتغلش!- يضحك- يبقى خلاص اقفلوا السينما بقى.. وطبعا "هاني خليفة" مش هيفرح بده.. حياة المخرج والمؤلف والفنان بعيد عن البلاتوهات وجلسات السيناريو لا قيمة لها مطلقا.. لا ألوم أحد.. لكن أنا باخد جايزتي من قاعة العرض، لما أقعد جنب الناس في قاعة العرض وأسمعهم بيضحكوا ساعة ونصف دون انقطاع.. يبقى مش عاوز حاجة أكتر من كده".

"المثقفين عاوزين الشعب يثور وهم بيعملوا صفقات، هتقول لي أنا بالعب دور تخدير أو إلهاء، هاقول لك أنا بالعب دور بشري.. لأن المجتمعات لا تنهض إلا بالطمأنينة والبهجة والفرحة.. لكن عاوز الناس تعمل ثورة بالفن.. ماحصلش، هات لي تجربة واحدة تثبت ده.. صناعة السينما يطلق عليها entertainment تسلية.. أنا هاخليك تتوجع وتتألم بس هتتفرج.. لو فرضنا إن الفن بيغير الواقع قول لي ليه المجتمع المصري ماتغيرش بعد "الهروب" و"البريء" و"قلب الليل"؟ اللي يطلب ده من الفن يحمله أكثر من طاقته، أنا مع أن الفن يعبر عن الناس لكن إنه يغير الواقع.. دي ماحصلتش.. وأنا غير مقتنع بإن الفن يطهر النفس لأن الذي يفعل هذا مجموعة أشياء.. وخلال الأفلام اللي فاتت أنا عبرت عن الناس بالضحك.. عاوز أعبر عنهم بقى بالبكاء وبالوجع.. المرحلة اللي جاية شكل مختلف في التعبير.. وطبعا شباك التذاكر في بالي.. السينما والصحافة اسمهم وسائل الاتصال الجماهيري mass media.. عشان كده المغني من غير جماهير.. مالوش لازمة يروح يغني في الحمام.. وفي هوليوود المقياس هو الإيراد.. ده مش اختراع.. ليه الصحفيين يتباهوا بأرقام التوزيع ويزعلوا لو تباهينا احنا بأرقام الإيرادات؟".

في السينما أنا باشتغل على إمتاع وإسعاد الناس، لأنه شئنا أم أبينا الشعب المصري شعب أمي وشعب الحياة طحنته، فالسينما وسيلة ترفيهه وتسليته الوحيدة، الأدب بيعمل شيء تاني يحقق أحلامك الشخصية.. عشان كده باركز على إني اللي أكتبه في "الدستور" يتجمع في كتب.. حتى فقرات "قلمين" تبقى تأريخ على العصر ده.. وكل فترة أقول لنفسي إني مش هاكمل.. ومش باتضايق لما حد يقول لي أنا بحبك في الصحافة ومش بحبك في السينما.. عادي المهم أنا عاوز إيه.. أنا أستعبط قوي فكرة إن الواحد يكون شاغل باله بالناس وبرأيهم فيه.. لأني مش جرسون المفروض إني ألف على الناس وآخد طلباتهم.. اللي يحبني في الصحافة بس باقول له شكرا، بس فيه ناس بتحبني في السينما وده مش استهانة دي واقعية شديدة جت بعد تجربة لأني الأول كنت أتخانق وأزعق لأني عاوز الناس كلها تقدرني.. لأني في "حرامية في كي جي 2"، شفت ردود أفعال باهرة زي مثلا "جلال أحمد أمين" يكتب دراسة عنه في الهلال شيء جامد جدا.. لكن الفيلمين التانيين "صايع بحر" و"الباشا تلميذ" اتهاجموا هجوم كاسح حصل لي صدمة.. مش متعود.
شوف.. فيلم زي الباشا تلميذ في رأيي نموذج للفيلم الجماهيري، لكن نهايته سيئة.. والسبب المنتج.. أنا كنت كاتب في النهاية 12 مشهدا تغير فيها الأبطال إلى الأفضل.. لكن المنتج قال لي بالنص "احنا هنعمل النهاية في مشهدين.. خلاص يا أخي ربنا رايد لهم الهداية!" فإنت هتعمل إيه.. هتلف على كل النقاد عشان تقول له اللي حصل..؟ نفس الكلام في "حاحا وتفاحة" أنا قلت للمنتج بلاش "مروى" والحاجات دي وهتكسب أكتر، بس مارضيش فعشان كده كتبت في الدستور وقلت في التليفزيون ماحدش يروح بأطفاله، لأن دي أمانة والمشكلة إن في مصر مافيش حاجة اسمها التصنيف العمري في السينما، لازم تقول للمشاهد إن هذا الفيلم يحتوي على ألفاظ حادة أو عنف لفظي"، وإن هذا الفيلم يحتوي على مشاهد بصحبة الوالدين، لازم ده يتعمل ومأساة الصحفيين إنهم طوال الوقت يتكلمون في المنطقة الغلط، لماذا لا يتبنون حملة زي دي، لأننا موضوعين في قالب ولا أحد يحب أن يقول فكرة جديدة. وبعد ما اكتشفت إن "حاحا وتفاحة" ناقص 20 % من السيناريو الأصلي، كان أمامي حل من اتنين إما أن أحذف اسمي من عليه وإما أن أرتضي بالنتيجة النهائية.. لما حسبتها لقيت الفيلم ماشي كويس وبيحقق إيرادات.. فعملت موازنة للأمور.. وسبت اسمي على الأفيش.. لابد أن يكون الواحد رجلا ويتحمل نتيجة أفعاله.. أنا رضيت إني أشتغل مع "محمد السبكي" خلاص ماعيطش.. أنا اشتغلت مع كتير من المنتجين وعرفت دماغ كل واحد فيهم وأفضلهم طبعا الشركة العربية التي لا تتدخل في نص السيناريو.. "أبو علي" زي ما انكتب زي ما اتنفذ.. وأنا دائما ما أضع درجات لأفلامي بعد تنفيذها.. "حرامية في كي جي تو" كان ممكن يكون أفضل بكتير لأنه فيلم لطيف وكان ممكن يكون مهم لو المخرجة اهتمت بالتركيز على مساحات التمثيل والدراما.

"ده رأي ماقدرش أصادر عليه، لكنه رأي غير دقيق لأن عندما يقول لي أحدهم هذا أقول له أنا شايف إني عملت أفلام حلوة زي "حرامية في كي جي تو" و"أبو علي" و"الباشا تلميذ" يقول لي "يا راجل هي الأفلام دي بتاعتك!"، وبعدين أنا عمري في السينما أربع سنين بس.. وأنا أتعمد أن يكون الفيلم فيه كلام صادم.. الإبداع لازم يكون فيه صدمة.. في فارق بين الصدمة والتغيير.. الصدمة تجعلك تتنبه للواقع اللي حواليك.. الفن لا يغير لكنه يعمل (هاي لايت).. بيقول لك فيه ناس كده.. وبيتكلموا كده.. واللي مش عايز مايروحش.. عشان كده أنا باتكلم على التصنيف.. لأن الحقيقة إن 80 % من الشعب المصري يعيش كما أحاول أن أظهر في الأفلام التي أكتبها بينما السينما التي يشاهدها الناس لا تقدم هذا، يبقى العيب في السينما ولا في الناس؟.. والصدمة أستعملها أيضا في الأدب.. وفي الصحافة.. ستجد كلاما يمكن أن تصفه بـ"الأبيح" في الدستور.. يعني أنا مش منافق.. أنا كده.. أنا أحب بذاءة "أحمد فؤاد نجم" و"بيرم التونسي" وباكتبها والذي لا يعجبه هذا يمكنه أن يقرأ وأن يشاهد لكاتب تاني".

لكن أنا رجل حياتي شديدة البساطة، أنا في فترة من الفترات نظرا لتحسن ظروفي المادية سكنت في المهندسين.. بس ماقدرتش.. لم أكن سعيدا.. فرجعت تاني حتى أسكن في شقتي القديمة في القصر العيني.. حياتي كده.. محيط صداقاتي هو ما أكتب عنه.. لأن هذه هي الحياة التي أعيش فيها.. فلا أشعر مطلقا بأن لي فضلا فيما حققته.. لأن النجاح المبكر يعمل حاجة من اتنين.. إما يسبب لك هوسا بما حققت، أو يعطيك إحساسا بأن النجاح شيء عادي.. لأنك عشته قبل كده.. أيام ما كنت سكرتير تحرير في الدستور الأولى وكنت مسئولا عن صفحة القراء كان يصلني 300 رسالة في الأسبوع الواحد.. منها رسائل يقول فيها أصحابها إني السبب في تغيير حياتهم.. فلابد وأن أكون عاقلا.. تدرك أن المشوار طويل.. ولازم تكسر وتذل نفسك لربنا طول الوقت.. وعشان كده أنا بحب أكون طول الوقت مشغول، ورغم كده أحترم أي كلمة تتكتب لي، فأنا أرد على كل إيميل يصلني من أي شخص، وحتى المعارك التي أدخل فيها مع الناس أرى أني لازم أرد لأني هذا معناه أني أحترم رأيه حتى ولو اختلفت معاه، هات لي حوار أو تصريح قلت فيه إني رجل عظيم وأفلام عظيمة.. دائما ما أتكلم بواقعية شديدة جدا.. طبعا أسعد عندما يكتبون عني في مجلة "جود نيوز سينما" أني رقم 14 في قائمة أهم 50 شخصية سينمائية في مصر العام الماضي.. إلا أنها سعادة لمدة ساعة فقط.. بعد هذه الساعة هناك مشكلة.. لأنك مطالب أن تحافظ على هذا.. وهذه أشياء لا يمكن أن أقول للناقد تعال وعشها معي لكنها تحدث بالفعل.. في هذا الوسط.. تكون حياتك الشخصية مدمرة.. لولا أن ربنا يرزقك بزوجة بنت حلال تتحملك ويكون لديها ما يشغلها في الحياة لكانت الأمور صعبة جدا.. أغلب كتاب السيناريو تكون حياتهم الشخصية إما سعيدة جدا وإما تعيسة جدا.. لأنك في فترة الكتابة تكون عايش مع 15 شخصية.. لازم تفكر في ده وفي ده.. وتبقى شايفهم ومعديين حواليك وبيتكلموا معاك.. طبيعي إن الناس تعرف إنك مش مركز.. طول الوقت بتفكر في موقف معين هتقوم بيه الشخصية الفلانية.. وده بيحصل في فيلم واحد فما بالك لو كنت بتشتغل في فيلمين".

الناس إحساس مش معايشة.. نجيب محفوظ لم يكن فقيرا لكنه أكثر من عبر عن الطبقة المتوسطة، زائد إن أنا عشت مع الناس دول بحب شديد.. ولم أكن ساخطا عليهم أو على الظروف.. مطلقا.. ولذلك أنا أحب أبطالي اللي هم الناس اللي عشت معاهم.. أحب خالتي فرنسا وأعشق صايع بحر.. لأني أشعر أنهم صادقين.. قل عن أفلامي ما شئت حبها أو اكرهها.. ماشي لكن لا يمكن لأحد أن يقول عنها إنها مسروقة.. لأن مصدرها مني أنا.. مصدرها الناس.. هاتطور في يوم من الأيام وهابقى أفضل -إن شاء الله- لو فضلت أنقد نفسي وأعطي الأمور حقها.. شوف "عادل إمام" بقاله 30 سنة على القمة منهم 25 سنة بيتشتم مش بينتقد، فأنا هاكون إيه جنبه؟ أنا عمري في السينما لسه لم يزد عن أربع أو خمس سنين، ولذلك فأنا أعطي لنفسي 15 سنة كمان لسه هاتشتم فيهم، لكن بعد كده أنا متأكد إن شاء الله إن كتير من أعمالي سيرد لها اعتبارها، زي ما أنا متأكد من إني شايفكم دلوقتي، لأنه والله العظيم لم أقصد بها سوى أن أكتبها بصدق وأن تثير لدى الناس ما تثيره لديه من انفعالات، ولهذا أنا متأكد إنها هتوصل للناس طال الوقت أم قصر".

يا أخي.. مفيش حاجة أفادتني في حياتي قد اللي عملوه في روز اليوسف، وسيكتب في التاريخ أني الكاتب الوحيد في تاريخ الصحافة المصرية اللي اتعمل له برواز يومي يهاجم فيه.. أجمل شيء في الدنيا إنك تجيب من الآخر.. الناس يقولوا عليك إنت من أصول وضيعة، فأنا فعلا من أصول وضيعة بمقياس الغنى والفقر، رغم إني على مستوى تاني لا أرى هذا، بس ماشي وماذا بعد؟ يقولوا إني خنت "مكرم محمد أحمد" لمجرد إني كتبت مقال ضده أو لأني اختلفت معاه.. يقولوا بيكره "إبراهيم عيسى" اللي هو نفسه يرد على الناس دول ويكتب مشاعر فياضة ممكن إنت لا تتوقع وجودها في ظل علاقتك الشخصية التي تجمعك بهذا الرجل، وده مكسب.. بص في الآخر.. أنا مش درويش ولا واعظ وأنا رجل مليء بالأخطاء.. لكننا ننسى "أن مراد النفوس أسمى من أن نتعادى فيه وأن نتفانى".. في الآخر احنا بنؤدي أدوار.. الحياة ليست أبدية ولا هي دائمة لأحد ولا دائم إلا وجه الله فعلا.. هتشمتني وهاشتمك وبعدين.. أنا أحب جدا مقولة ابن تيمية "إن يسجنوني فسجني حرية".. طبعا السجن بهدلة وتعذيب وما إلى ذلك.. يعني أكيد مش حلو.. لكن في الآخر إنت ممكن تقتل واحد وإنت ماشي بالعربية فتسجن.. فكده سجن وكده سجن..

أكيد لازم تحس الأحاسيس دي لما تشوف النفوس تزهق لأسباب تافهة.. واحد صاحبك وقع دماغه "اتفشفشت" فمات وإنت عندك 9 سنين، ساعتها هتتعلم درس مهم جدا وهو إن الحياة دي في أي لحظة ممكن تنتهي.. أنا قعدت 3 أيام في حياتي عايش على عسل وليمون معصفر كانت بعتتهم لي جدتي بعد ما خلصت فلوسي.. أفطر واتغدى وأتعشى على الحاجات دي.. والله ما كنت متمرد ولا زعلان ولا كنت باعيط ولا متضايق، وبعدها جه اليوم اللي ماعدتش باكل فيه لحمة عشان جنون البقر، والفراخ عشان إنفلونزا الطيور، فلا ده ييغيرك ولا ده يضايقك. عشان كده أنا وصلت في فترة كان أصحابي الأنتيم كلهم من القامات الكبيرة "محمود عوض" "علاء الديب".. "فاروق عبد القادر".. "صافيناز كاظم"، لأني نفسيا عندي نفس قناعتهم وعندي نفس الحصيلة اللي هم خرجوا بيها من الحياة فالتقارب النفسي حصل.. أقعد معاهم، مش باسمع لأ باتكلم.. فدي ميزة كبيرة.. وعلمني إنه ممكن في يوم "عادل إمام" بيحتفل بعيد ميلادي وتاني يوم ممكن أكون في الشارع مش لاقي آكل فلما تعود نفسك على ده تنبسط خالص..

توقع دائما الأسوأ.. قل لي إيه الأسوأ من إنك ممكن في يوم تكون شايل شنطة هدومك ومش عارف هتنام فين.. ده الأسوأ ولا واحد يكتب عنك مقال بتتشتم فيه.. طظ.. الكل باطل وقبض الريح إلا العمل الصالح.. ولذلك فأنا دائما أستشهد بالآية الكريمة المذكورة في القرآن الكريم: "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم" (التوبة 102).. دي أجمل آية في القرآن.. أهم حاجة: اعترفوا بذنوبهم.. يعني إنك لا تكابر.. عشان كده الإسلام دائما علمنا إن العبرة بالخواتيم والعبرة بالنهاية.. "إن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي بها بالا فتلقي به في النار سبعين خريفا"، أو مثل القصة الرائعة المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك الرجل الذي كان يجندل الأعداء بقوة وشجاعة فقال الناس إنه سيذهب إلى الجنة لكن الرسول قال لهم بأنه في النار ليكتشفوا بعد ذلك أنه أصيب بجرح لم يحتمل آلامه فانتحر.. أجمل فيلمين في العالم وباعتبرهما فيلمين إسلاميين "أمريكان بيوتي" و"كراش".. الفليمين دول بيعطوك درس وهو أنه لا يوجد إنسان مكتمل no body is perfect.. اصبر وتعايش وشوف واتعلم.. عادي إن حد يشتمك.. خليك قوي واستنى.. جايز الإنسان ينتهي كويس.. وجايز ينتهي وحش والعياذ بالله.

وصلت لها بعد فترة وبعد أن توصلت لشيئين: الأول هو الإيمان بالأشياء الحقيقية المجردة اللي طول عمرنا بنعيش مش مصدقينها، زي الإيمان بالأرزاق وإن مفيش حد هياخد غير نصيبه واعمل اللي عليك وسيب الباقي على ربنا.. الحاجات الصغيرة دي اللي ممكن نكون زهقنا من ترديدها دون فهم..
الحاجة التانية هي الوعي.. "نجيب محفوظ" ظل يكتب 30 أو 40 سنة دون أن يعترف به أحد، "صلاح جاهين" اتشتم عشان الفوزاير وعشان "خلي بالك من زوزو"، فأنا مش هابقى أجدع من الناس دول.. البشر لم يتفقوا على شيء غير ربنا، بل حتى ربنا لم يتفقوا عليه، وجود خلاف حواليك معناه إنك موجود.. مع الوقت ستجد أن إنتاجك زاد، وأنك تتطور وأنك تستغل وقتك في أشياء مهمة وهكذا، ثم إن الحكم آخر الجلسة.. الحكم آخر العمر.. "صلاح السعدني" له جملة جميلة جدا بيقول فيها إن كل فنان لازم يفكر في النعي اللي هيتنشر له في الأهرام، الباقي ليك 4 أو5 أعمال بعد كل الرحلة دي.. وده اللي باحاول أعمله.. لكننا شغالين طوال الحياة طواحين هوا.. نضرب في بعض ونقتل في بعض مع إن معركتنا الحقيقة مش معانا، معركتنا الحقيقة مع الفساد والاستبداد.. يعني واحد كتب رواية وحشة ولا عمل فيلم سيئ خلاص يا أخي سيبه.. إيه اللي حصل يعني؟ لن نتفق جميعا على شيء واحد، دع مائة زهرة تتفتح واحنا بننزل للناس وهم اللي يختاروا، عشان كده باقول إن الناقد الفني هو الذي لا يجرؤ على الكتابة في السياسة، فقرر أن يتشطر على الناس اللي لن يأذوه، عمرك ما تلاقي حد فيهم له اهتمام سياسي، بس تلاقيه يتمطع ويقول ليك "الفساد في الفن".. اللي بيدخل السينما بيدخل بمحض إرادته واللي شايف فيلم رديء في التليفزيون ما عنده ريموت يغير القناة، واللي بيقرأ رواية وحشة هو اللي اشتراها، محتاجين أن تكون الحياة واقعية، وما أقول على النقاد يقوله كثيرون في العالم.. "جاك ليمون" له تعبير عبقري يقول فيه إن "النقاد هم الذين لا يحاربون في المعارك وإنما يهربون في الصفوف الخلفية ثم يقتلون الجرحى".. يعني لا يملكون قدرة المواجهة، لكن هذا لا يعني أني أطالب بإلغاء مهنة النقد ولكن بترشيدها.. ماحدش له علاقة بالجمهور، صدقني أنا لما باقرا حاجة مكتوبة عني بحب بتوصلني وباحاول أتغير وإلا أبقى حمار، لكن لما أقرأ حاجة مكتوبة بكراهية بغرض إنك تدمرني أكيد هاهاجمك، ولذلك أنا بحب جدا مقولة: "دعه يعمل دعه يمر"..
في يوم رحت للكاتبة الجميلة "صافيناز كاظم" وسألتها: ليه الواحد فينا لما يكون مبسوط مش بيبقى مبسوط بجد زي الناس العاديين.. فأعطتني قصيدة للشاعر "بريخت" اسمها "فنان ميت يتسلى بقلمه".. يتقول إن غصب عنك هتراقب الناس وأفعالهم لدرجة قد تصل بك للجنون.. لما بنتي اتولدت مثلا قعدت أفكر في كيف يمكن أن يخرج هذا في مشهد سينمائي.. وكيف يمكن أن أعبر عن مشاعر الأب والأم.. فاكتشفت إنك وصلت إلى مرحلة إنك تراقب الحياة.. وده إحساس صعب.. حتى يوم ما رحت تركيا وكنت واقف عند شلال بديع ورائع لم أستمتع بهذا الجمال وإنما ظللت أفكر في مشهد يجمع ما بين حبيبين، بينما الكاميرا تصورهما من فوق..

الحياة لا تعطيك فرصة للاستمتاع.. حتى ولو كنت باتفرج على فيلم من أجل الاستمتاع.. تلاقيني قاعد أفكر.. طيب ليه عمل المشهد ده، وليه البطل قال كده؟ تقرأ رواية فتقعد تفكر.. طيب ممكن تتحول إلى مشهد سينمائي ازاي؟ صدقني جربت كتير إني أفصل بين الحياة دي ودي.. ماقدرتش.. لكن شغلتك كده.. لو ماتفرجتش على حاجة هتقرا، ولو لم تقرأ ستكتب، ولو لم تكتب ستسمع، ولما الناس تحكي لك حواديت فإنت على طول هتترجمها لمقال أو لمشهد في فيلم.. فخلاص هتكتشف إن الحياة فسدت ولازم تتعايش معها..

أنا أدركت إن لي مهمة محددة.. كل إنسان جاء إلى هذه الدنيا ولابد أن يكون له هدف.. فلازم أقدر نعمة ربنا.. أنا في يوم من الأيام كنت أصرف في اليوم الواحد 2 جنيه.. فلما يصبح نفس هذا المبلغ وكأنه لا شيء بالنسبة لي فهذا في حد ذاته كفاية.. فمش لازم كمان أعيش فرحة الفقير.. أنا كنت عايش الحياة لما كنت فقير.. كنت باحبها جدا.. تستمتع باللقمة وإنت بتاكلها..

عارف أنا لما كنت باسمع ده زمان باقول دول عالم ولاد كذا وعاوزين يعقدونا.. لكن الكلام ده حقيقي فعلا.. أنا دخلت أجمل مطاعم الدنيا وأحن إلى عربيات الفول.. لأنك تسترجع اللحظة اللي ماكنتش فيها مشغول بحاجة.. ورغم إني باعمل ده أحيانا الأيام دي، أروح آكل في عربية فول في الشارع، لكن الإحساس والشعور مفقود.. مش زي ما كنت لابس شبشب عادي ومفيش هموم واليوم يعدي مش فارقة معاك..

أنا لا أعتبر أية لحظة في حياتي قاسية أبدا أبدا، بما في ذلك حتى اللحظات المريرة قوي اللي مريت بيها كتير في الحياة، واللي وصلت لحد التهديد في الرزق، وحتى تلك اللي أنا عشت فيها في خطر، لأني كنت كاتب معارض وأنا لا أملك الجنسية المصرية إلا أن هذا لم يؤثر فيّ نهائيا لأني كنت أعتبر مصر بلدي ولابد أن يكون لي فيها موقف رغم أنه من الممكن أن يرحلني أي عسكري عادي، ولذا فأنا أفتخر بالحاجات دي، يعني دلوقت مثلا الأمر مختلف.. فيه أمان نوعا في البلد "رغم إن مفيش أمان في مصر"، وفيه انفتاح نوعا ما وهناك ضغوط دولية لكنت جربت تعمل ده في وقت صعب...

الحمد لله أنا كنت بامر بمواقف بانتصر فيها على نفسي، يعني وأنا في 3 كلية اتعرض عليّ أعمل رسالة دكتواره لباحث سعودي في مقابل 35 ألف جنيه في وقت أنا لم أكن أملك فيه 35 جنيه، لكني رفضت.. أنا تركت روز اليوسف لأنهم غيروا لي في موضوع فسبت الصحافة وقلت ملعون أبوها.. اتعرض عليّ إني أشتغل في الأهرام ورفضت لأني مش باحب الأهرام، ولما باكتب في الشباب دلوقت باكتب نفس اللي باكتبه في الدستور.. لم أتحول أو أتغير.. طول الوقت أنا بانتصر على نفسي.. دخلت عالم الإعداد في التليفزيون وكان من الممكن أن تندهني النداهة وأكمل فيه إلا إني وقفت عند نقطة معينة.. كل ما تنتصر على نفسك كل ما تكون اللحظات القاسية التي مررت بها تحلو.. لكن طبعا فيه لحظات صعبة.. ودي اللي إنت بتستثمرها وبتطلع الوجع اللي جواك على الورق ودي اللي بتعمل لك طعمك الخاص.. فازاي تزعل منها وهي اللي بتأكلك عيش.. لكن وبصراحة شديدة، اللي بيضايقني كتير وبيحز في نفسي كتير والله يعلم بذلك هو فكرة إنك كنت مع ناس عايش معاهم وبعدين عديت وسبتهم، وبالرغم من إنه ماعندكش رغبة في استثمارهم إلا إنك بتقول اللي عشته فتكسب منهم لكن حالهم هم زي ما هو.. دي الحاجة الوحيدة اللي بتألمني ومش قادر أعمل لهم حاجة.. عشان كده حلم حياتي إني لما أوصل لمستوى مادي معين سأؤسس دارا للخير..

أنا مبهور بتجربة الكاتب التركي "عزيز نسين" اللي هو من أهم أساتذتي ويمكن قرأت له أكثر من 50 كتابا وهو كاتب 100 كتاب، وهو غزير الإنتاج وكتب في كل المجالات ومشاعره في الحياة هي نفس مشاعري، ومشاكلي في الحياة هي نفس مشاكله، وتشردي أنا في الحياة هو نصف تشرده من جوع وطرد والمشاكل العائلية والشخصية.. كلها طبق الأصل فكأنك وجدت روح توءم لك، فأنا حلم حياتي أعمل دار "بلال فضل" أو ما شابه، وأن أوفر لناس مروا بنفس ظروفي أشياء حلوة تعينهم على الحياة، وده هدفي اللي يمكن عشانه بأعمل أفلام تجارية.. أنا لما رحت تركيا تصورت إني هالاقي الناس هناك كلهم بيحترموا ويقدروا كتب "عزيز نسين"، إلا إني وجدتهم واضعين كتبه ضمن قسم "المزاح" مش الأدب -مع إنه في رأيي من أهم الروائيين العالميين مثل "تولستوي" و"بلزاك"- لأنه زي حالتي بيهزر وبيضحك.. الرجل استخدم كل عوائد هذه الكتب وعمل (عزيز نسين وقف) وهي دار للأيتام وأوصى أن يدفن في هذا المكان وألا يعرف أحد طريقا لقبره في هذه الدار حتى لا يخاف الأطفال، ولذلك عندما سألت أقرب أصدقائه عن مكان قبره رد وقال لي: "هو في كل مكان في الدار".. مشكلتي الحقيقية إني شفت وعشت مع الناس دول فالجمهور اللي معاه فلوس ضحك وانبسط، بينما ظل هؤلاء الناس الحقيقيين غلابة مثلما كانوا..

أنا أملي إني أعمل مثلا في الدار سكن للطلاب اللي جايين من الأقاليم ومكتبة يقرءون فيها ودار سينما ببلاش تعرض أفلامي عشان اللي عاوز يضحك يضحك واللي عاوز يفكر يفكر واللي عاوز يخاف يخاف.. جايز أعمل في يوم من الأيام فيلم رعب وعشان كده أنا باعمل أفلام كتير، فده حلمي.. تفتكروا اللي له حلم زي ده هيكون مشغول بمين كتب عنه إيه في الأهرام ولا في الأخبار، ده هدفي والأفضل إنك تكون عارف عاوز توصل لإيه، ولو كلنا اشتغلنا على هذا الأساس وحددنا كلنا هدفنا وعاوزين نوصل إيه كانت بقت الحياة حلوة جدا..

Tuesday, February 07, 2006

العام 2005

وصلتني هذه الملاحظات القصيرة الذكية على بريدي الالكتروني، وقررت أن أترجمها لك مع أن هناك احتمالاً لا بأس به أن تكون وصلتك قبلي (وهذه من سمات العام 2005 كما ستعرف حالاً):

تعرف أنك تعيش في العام 2005 عندما:

1 - تكتشف أنك لم تلعب السوليتير بورق لعب حقيقي منذ عدة أعوام !
2 - تكتشف أن لديك خمسة عشر رقمًا هاتفيًا تخص أسرتك التي لا تزيد على ثلاثة أشخاص !
3 - تخطئ وتكتب كلمة السر على فرن الميكروويف (دي مش فاهمها لأنه ليس عندي ميكروويف لكن عديها).
4 - ترسل بريدًا الكترونيًا لزميلك في العمل الذي يجلس على مكتب مجاور لك.
5 - تتدهور علاقاتك بأفراد أسرتك أو أصدقائك ممن ليس لديهم بريد الكتروني.
6 - تقف بالسيارة تحت البيت ثم تتصل بالبيت بالموبايل لتطلب من يساعدك في حمل البقالة.
7 - كل إعلان في التلفزيون ينشر موقع إنترنت في أسفل الشاشة.
8 - مغادرة البيت من دون أن تأخذ معك الموبايل – الذي لم تكن تستعمله طيلة عشرين أو ثلاثين عامًا من حياتك – تسبب لك الذعر فتعود لتأخذه.
10 - تصحو في الصباح فتفتح الإنترنت قبل أن تشرب القهوة.
11 - أنت الآن تقرأ هذا الكلام فتهز رأسك وتبتسم.
12 - أما الأسوأ فهو أنك تعرف من سترسل له هذه الرسالة ليقرأها.
13 - أنت مشغول جدًا لدرجة أنك لم تلحظ أن القائمة بلا رقم (9).
14 - لقد حركت السطور لتتأكد من أنه لا يوجد رقم (9) فعلاً.

الآن أنت تضحك .. وترغب في إرسال هذه الرسالة إلى آخرين .. هلم .. افعلها !

الثعبان الأقرع

ما أن اقتربت من المسجد لصلاة الجمعة حتى أصابني الذعر .. وجوه الجالسين متجهمة ساهمة مربدة والخطيب يبكي بتلك الطريقة (الخليجية) المنتحبة المولولة، وهو ينشد لمدة ربع ساعة شعرًا رديئًا جدًا من تأليفه غالبًا .. ينشده كأنه يغني، وكلام عن الموت، وكيف سيغمضون – إن شاء الله البعيد – عينيك بعد الوفاة، ثم يخيطون عليك الكفن، ثم يحملونك ليلقوا بك في حفرة عميقة مظلمة تجد فيها نفسك وحدك مذعورًا بردان مصدومًا، ثم كيف سيعبث الدود بك وكيف سيلهو في محجريك ويخرج من أنفك، وكيف تصير ترابًا متحللاً.. يقول كل هذا بصوت متحشرج مخنوق، ثم يتوقف دقيقة للبكاء بعدها يعاود الكلام وقد بدا أنه لن يصمت أبدًا ..

كل هذا الكلام جميل ومهم جدًا . فقط هناك مشكلة واحدة هي أننا كنا في ثاني أيام عيد الفطر !!

بحثت بعيني عن النعش الموضوع بانتظار الصلاة عليه فلم أر .. سألت عما إذا كان أحدهم قد مات فلم أجد .. !. المجنون يخطب هذه الخطبة الملتهبة الباكية عن الموت في ثاني يوم من أعياد الفطر لمجرد أن هذا موضوع مبهج راق له !

ونظرت للجالسين حولي فرأيتهم في حالة لا توصف من الكآبة والغم، وبعض المراهقين راحوا يتبادلون الضحكات المكتومة .. لكن سلطة الميكروفون وهيبته لا يمكن خرقهما .. اللعنة على من يصرخ أولاً توقف .. هذا هو شعار اللحظة .. أول من يفتح فمه معترضًا هو منافق غالبًا وربما زنديق كذلك ..

ثم لاحظت ذلك الأداء الهستيري .. منذ أعوام ساد مفهوم أن كثرة بكاء الإمام دليل على شدة التقوى، وصار الخطباء يفتشون عن البكاء واختناق الصوت بحثًا .. أما من لا يبكي فهو على الأرجح خطيب غير جيد لم يعرف الإيمان طريق قلبه..

ثم نغمة التعالي هذه .. كأنه يقول لنا: أنا ضمنت مكاني في الجنة وخلاص .. فقط أنا قلق عليكم أيها التعساء ..

كل هذا الاستمتاع بوصف الدود الخارج من الأنف والكفن والقبر في يوم العيد وبلا أية مناسبة .. هل هو أقرب للتقوى أم أقرب إلى الاكتئاب والخلل العقلي ؟.. إنها (الملانخوليا) ذاتها .. إنها الماسوشية التي تعشق تعذيب النفس، وهي السادية التي تعشق تعذيب الآخرين .. ربما يجد علماء النفس مثل د. (الرخاوي) مصطلحات أدق تصف هذه الظاهرة مثل (التافيفيليا) التي هي التلذذ بفكرة الدفن .. كلها أفكار يعرفونها ويصفونها في الخارج لكنهم لم يربطوها بفكرة التدين العميق .. فقط ربطوها بالخلل النفسي ..

أنت لست تقيًا يا صاحبي كما تعتقد .. أنت مجرد مريض نفسي سلموه الميكروفون ..

لديك ألف موضوع تفتحه في العيد .. بشروا ولا تنفروا .. لو أردت أن تلقن هؤلاء كم أنت تقي وكم أنهم أوغاد، فلديك الكثير من السلوكيات التي يمكن أن تتكلم عنها .. الشباب يترنحون في الشوارع ليلة العيد ممسكين زجاجات التوسيفان . فلماذا لا تعلق ؟.. لا أطالبك بأن تكون سيد قطب وتنتقد الأوضاع التي أدت بهم لهذا الوضع فلا أعتقد أن لديك هذه الشجاعة .. لكن هناك بالتأكيد ألف موضوع يصلح ليوم العيد غير الدود والكفن ..

كنت استمع للخطبة وأنا أتذكر كتب عذاب القبر التي صنعت مليونيرات من ناشريها .. فجأة صارت هذه هي ثقافة الشباب المصري، ولم يعد له حديث إلا عن الثعبان الأقرع وعدد ضمات القبر لدى نزول الجسد فيه .. عرفت مهندسة في الثلاثين – ذروة العطاء – أدمنت هذه الكتب وصارت خبيرة في كل الأهوال التي ستلاقيها في القبر .. ثم رأيتها قد اشترت لنفسها الكفن واحتفظت به في فخر واعتزاز .. طيب ليه يا ستي ؟.. لما تموتي بإذن الله سيشتري لك أهلك الكفن .. لكنها مصرة على أن هذه من علامات التقوى ..

وترى أغلفة هذه الكتب فترى الاستمتاع السادي الذي رسم به الرسام تلك المقابر في الصحراء، حيث ساعة الغروب تضفي جهامة على كل شيء .. طبعًا كان يتمنى أن يرسم ذئبًا أو ذئبين لكن هذا سيجعل الكتاب لا يباع في السعودية لأن الذئب كائن حي..

تذكرت كذلك كلمات الصحفي الأمريكي سليط اللسان (توماس فريدمان) عن العرب والمسلمين .. هؤلاء فشلوا في الحياة وفي مجاراة العصر فجلسوا جوار جدار يحقدون .. هل كلامه خطأ على طول الخط ؟... هذا الخطيب يمثل عينة من الذين فشلوا في كل شيء .. لم يبق أمامهم إلا التلذذ بفكرة الموت .. فشلوا في الدنيا فجلسوا ينتظرون الآخرة، وهم لا يعرفون أن من أضاع دنياه أضاع آخرته ..

قل أي شيء .. قل أي تفسير لكن لا تقل لي من فضلك إن هذا العواء والبكاء ولطم الخدود في يوم العيد بلا أية مناسبة أمر طبيعي .. هذه طبيعة مريضة مكانها المصحة وليس المسجد..

والخطبة تدنو من نهايتها فيعتذر الرجل عن التطويل .. ثم يعتذر عن النكد الذي سببه لنا بالكلام عن الموت في العيد .. "أردت أن نتذكر نهايتنا في هذا اليوم بالذات"

هكذا سيعود لداره مسرورًا راضيًا مما يعتقد أنها ضربة لازب أو (ضربة محسوسة جدًا) على رأي شكسبير .. سوف يؤرخ لهذا اليوم باعتباره اليوم الذي حقق فيه فتحًا ومنع هذه الخراف الضالة من اللهو والفرح والتفاؤل يوم العيد .. ولو لم يلق خطبته هذه لغادرنا المسجد لنغتصب كل امرأة نراها ونفرغ براميل الخمر ونبقر بطون الحوامل ونأخذ بلحي الشيوخ الأجلاء ..

أحد المصلين همس في أذني وهو يغادر المسجد : ما هذه الخطبة المجنونة ؟ .. نظرت له واتسعت عيناي مهددًا.. وقلت ضاغطًا على كلماتي: ما دمت متضايقًا فأنت تخشى الموت .. لماذا تخشى الموت ؟.. لابد أن ذنوبك كثيرة كرمال الصحراء ولست نقيًا مثلي .. تذكر يا أخي أنك قد تبيت الليلة تحت الأرض يعتصرك الثعبان الأقرع .. عندها لا تقل إن الخطيب لم يحذرك.

أبطال العرب الجبابرة

فجأة ظهرت هذه السلسلة ولاقت شعبية لا بأس بها بين الأولاد . لكني لم أشارك في ذات الحماسة لأني وجدت هذه القصص استنساخًا لما تقوم به الشركات الكبرى مثل (مارفل) و(أكشان كوميكس) و(دي سي كوميكس) .. عندهم حشد لعين من سوبرمان والوطواط و(الرجال إكس) والعنكبوت و(فتى الجحيم) و(العملاق الأخضر) و(الأربعة المذهلون) ..الخ ..كلهم ضخام كالثيران مقنعون يطيرون في الهواء ولهم شخصيات سرية .. حالة إسهال أبطال حادة لن تجدي معها بعض أقراص الفلاجيل.. في لحظة ما تتصور أن كل مواطن أمريكي يلبس تحت ثيابه بذلة خاصة .. ثم يفر إلى أقرب زقاق ليبدل ثيابه ويطير في الهواء .. إذن لماذا أبحث عن البديل المحلي إذا كان المستورد متوافرًا وبالتأكيد أفضل ؟

هناك من قصص أبطال العرب طبعات فاخرة وأخرى شعبية لمحدودي الدخل. ترى أبطال هذه السلاسل فتجدهم نسخة اخرى من ذات الأبطال الأمريكيين لكن الأسماء عربية والبيئة شبه عربية .. كأن هذا هو فن القصص المصورة ولا فن سواه.. هناك شخصية فرعونية تشبه قصص سوبرمان، وهناك فتاة اسمها (جليلة) وأخرى تدعى (آية).. من رأوا هذه القصص أبدوا اعتراضًا عربيًا جدًا هو أن البطلات شبه عاريات وكبيرات الصدر .. لكني عندما قرأت هذه السلاسل مدققًا وجدت أشياء أخطر من هذا (دعك من أن البطلات كبيرات الصدر فعلاً)... أنا أكره البارانويا العربية المعتادة وأسلوب دس مؤامرة في كل شيء، لهذا أقدم حقائق دون أن أستنتج منها أي شيء ...

لماذا تحدث الأحداث في شرق أوسط غير محدد الهوية ؟.. القدس واضحة جدًا بقبابها ومعالمها لكن اسمها هنا (مدينة جميع الأديان).. ويتكرر هذا عدة مرات .. لماذا ليست هي (القدس) ؟.. هناك شرق أوسط كبير به مفاعل نووي عملاق اسمه قريب جدًا من (ديدمونه) يحاول (المخربون) تدميره من حين لآخر .. هل تبدو هذه الصيغة مألوفة ؟.. ربما ....
شركة (أ ك كوميكس) لها جهاز دعاية شديد الكفاءة بلا شك، ومن الواضح انهم أحدثوا دويًا إعلاميًا لا بأس به .. يؤكدون أنهم يسوقون في الولايات المتحدة وكندا (هييه .. عندنا تصدير أخيرًا) وتهتم الصحافة الغربية بهم اهتمامًا خاصًا .. هناك مقالات عدة في موقع الشركة منها مقال (نورث كاونتي تايمز) الذي يبشرنا بأن (هؤلاء الأبطال جاءوا بالسلام أخيرًا للشرق الأوسط !) .. ثم تلاحظ المجلة أن الصراع على مدينة الأديان استمر 55 عامًا وهي ذات فترة الصراع العربي الإسرائيلي .. يقول أحد مواقع الإنترنت: حواجب البطلات رفيعة .. وهذه جرأة في العالم الإسلامي المنغلق !

عندما يتحدث أصحاب المشروع مع محرر (واشنطن بوست) يتحدثون بصراحة لا كما فعلوا مع محررة (روز اليوسف). (دانييل ويليامز) - واضح طبعًا من الاسم أنه يهودي - يقول : "هدف السلسلة هو عبور الفجوة الثقافية التي اتسعت عبر السنين .. يقول صاحب فكرة السلسلة (أيمن قنديل) - وهو أستاذ اقتصاد بجامعة القاهرة - إن علينا أن نصنع أبطالنا العرب ليكونوا مصدرًا للفخر في كل أرجاء العالم العربي. مصر ليست لديها صناعة قصص مصورة خاصة بها (ما لم تعتبر النقوش الهيروغليفية كذلك).. إن هذه المنطقة ستشهد فوضى لبعض الوقت .. لكن بعد هذا سوف يستقر الغبار ويأتي السلام عن طريق تطوير واكتشاف أنفسنا .. هذه السلسلة إذن ناتج مهم لعملية العولمة.. كتب القصص (مروان النشار) وعهد بها لستوديو في البرازيل للرسم، أما النص الإنجليزي فكتب في كاليفورنيا .. وكانت المشكلة مع الستوديو هي أن البرازيليين يريدون رسم البطلات بالبكيني بينما هذا غير مستساغ في مصر. يقول (النشار): هناك دول عربية يراجع فيها الرقيب القصص صفحة صفحة ليسود صدور النساء. ويقول كذلك: كنت أرى قصص الرجل العنكبوت فلا أنفعل بها لأنه يعيش في نيويورك، وكنت أتساءل لماذا لا يوجد عرب يقدرون على تسلق الجدران ؟"

والله العظيم هناك عرب كثيرون يتسلقون الجدران يا عم (مروان) ويكفي أن تسأل في أقرب قسم شرطة.. أما موضوع أن مصر لم تعرف الستريبيس فماذا كان يفعل العظماء (حجازي) و(عدلي رزق الله) و(مأمون) و(اللباد) و(محمد حجي) و(إسماعيل دياب) إذن ؟.. (اللباد) قدم لنا تجربة لم تحدث في العالم قط هي رسم قصة أطفال (ستريبس) كاملة بأسلوب الكولاج وفن البوب.. كان هذا في مجلة سمير في الستينات. دعك من محاولات دار الهلال غير العادية في السبعينات.. تصور قصة (الجمال الأسود) وقد جعلوا منها ألبومًا لكل عمل نحت أو تصوير يمثل الحصان في تاريخ الفن ؟.. هؤلاء كانوا يحبون ما يفعلون، ولو كنا في دولة متقدمة لصنعت لهم التماثيل في الميادين. نحن قرأنا هذه القصص في طفولتنا، ولو كنا قد صرنا مواطنين محترمين – وهذه نقطة تحتمل الخلاف – فالفضل يرجع لهذه القصص التي أعدها وأخرجها ورسم أكثرها مصريون.

ثم تعال هنا .. ما العربي في مجلتكم بالضبط ؟.. تيمات أمريكية وكل شيء يبدو مترجمًا للعربية .. رسامون برازيليون .. حوار أمريكي ... ما العربي في هذا كله ؟..
والله العظيم الأمر لا يتعلق بالبارانويا العربية، ولا يتعلق بالحقد المهني باعتباري ممن يكتبون السيناريو للقصص المصورة (الذين ألغى البروفسور أيمن قنديل وجودهم بكلمة واحدة)، وليس استعداء لأحد على أحد .. أنا أؤمن أن الطريقة الوحيدة للرد على الفن هي بفن أفضل منه، لكني فعلاً أشعر بشيء لا يريحني في هذه القصص .. هناك رسالة ما بس أموت وأعرفها..

Monday, February 06, 2006

اعرف نفسك

بما أننا في عصر العولمة التي هي – بمعنى آخر – الأمركة، فقد رأيت أن أقدم للقارئ هذا الامتحان السياسي على الطريقة الأمريكية؛ أي الأسئلة متعددة الاختيارات MCQ. حاول أن تجيب عن أكبر عدد في أقصر وقت، وحاول ألا تختلس النظر إلى الإجابات الموجودة في نهاية المقال:أ‌- ابن لادن حفظه الله:1- عميل مخابرات أمريكية ما زال يتصل بها منذ أيام الجهاد في أفغانستان.2-هو النموذج العصري الإسلامي لجيفارا. وقد أوجع الولايات المتحدة بأكبر ضربة في تاريخها.3- مجرد أحمق يهوى الشهرة الإعلامية، وقد أقنعته المخابرات الأمريكية بأن يختطف فاتورة سبتمبر لنفسه، على طريقة فيلم فؤاد المهندس القديم عندما كان يتبرع بتبني أية جريمة قتل ليكسب احترام فتاته؛ وبهذا مهد للجنرالات احتلال موقعين عظيمي القيمة: أفغانستان والعراق.4- ربما هذا كله.ب - ابن لادن خاطب الأمة الأمريكية عشية الانتخابات – بعد صمت طال - مما ساهم بدور لا بأس به في فوز بوش لأنه:1- رجل بوش وما نحن فيه هو أكبر عملية خداع في التاريخ الحديث. بل هي أكبر من خدعة برجينسكي السابقة عندما دعا للجهاد في أفغانستان فقط لينتقم من الاتحاد السوفييتي.2- الانتخابات الأمريكية ليست ضمن جدول ابن لادن، وهو لن يؤجل أو يقدم كلمته للمجاهدين بسببها.3- مجرد أحمق وقد كان توقيته شديد الغباء كأي شيء فعله من قبل. إن قدرات هذا الرجل لا تتجاوز وضع قنبلة في محطة أتوبيس يقف عليها أطفال المدارس كما فعل تنظيمه في مصر في منتصف التسعينات.4- ربما هذا كله.ج – كان بوسع الولايات المتحدة أن تعد مسرحية ناجحة عن اكتشاف مخزن لأسلحة الدمار الشامل في العراق، وتجلب الصحافة العالمية لتصور، لكنها لم تفعل.. لماذا ؟1- لأن الفكرة لم تخطر لهم.2- لأن محاولة كهذه سوف تفتضح في عصر لا أسرار فيه. إن الفرنسيين والأوروبيين عامة ثرثارون أكثر من اللازم.3- لأن أمريكا دولة أمينة لا تحاول خداع أحد ويجب أن نُشفى من البارانويا العربية التقليدية.4- ربما هذا كله.د- لماذا تصر المنظمات الفلسطينية على إعلان كل شيء عن منفذي العمليات الاستشهادية، بما فيها الاسم والسن والعنوان، بحيث لا يبقى إلا أن يذهب الجنرال شارون بعد ربع ساعة ليهدم بيوتهم ؟. لماذا لا يتعبونه قليلاً بغفلية الفاعل ؟1- لأنه لا فارق هنالك، والأخبار تنتشر بسرعة، والعملاء كثيرون والحمد لله.2- على سبيل الفخر وإعطاء الحق لصاحبه.3- قبل أن تنتحل منظمة أخرى العملية لنفسها.4- ربما هذا كله.هـ - الجماهير تثور ضد الحرب في أمريكا وفي أوروبا كلها، لكن الحرب تقع .. البريطانيون غاضبون على بلير لكن بلير يستمر. معارضة كبرى لبوش في أمريكا لكنه ينال فترة أخرى. السبب هو:1- ديموقراطية الغرب زائفة فشلت لدى أول احتكاك حقيقي.2- لغة المصالح أقوى وهي التي تحرك الجماهير فعلاً.3- إنها نهاية عصر الجماهير المؤثرة. افعل ما تريد ولسوف يتبعك القطيع فيما بعد عندما لا يجد حلاً آخر.4- ربما هذا كله.و‌- كل شيء في أمريكا يتدنى، وثمة إجماع على أن بوش يحكم البلاد بشكل خطأ لكنهم برغم هذا انتخبوه وفشل كيري الذي تفوق في ثلاث مناظرات. السبب هو:1- بوش دغدغ الفكر الديني المحافظ عند الأمريكيين، وهو في هذا ابن لادن ثان بروتستانتي. لم يعد الأمريكي مستعدًا لسماع من يبيح الإجهاض ويعتبر زواج الشواذ حرية شخصية.2- المواطن الأمريكي أحمق لا يعنيه إلا البحث عن صورة عارية الصدر لبريتني سبير.3- خطاب ابن لادن جعل الأمريكي يعتقد أن تغيير الحصان في وسط السباق خطر داهم.4- ربما هذا كله.ز- برغم خسائر الأمريكيين، وبرغم العمليات المستمرة، فلا يبدو أنهم ينوون الفرار من العراق كما فعلوا مع فيتنام والصومال. السبب:1- كما قال محمد حسنين هيكل: العراق ليس فيتنام ولهذا لا يجب أن نتوقع تكرار السيناريو. فيتنام لم تكن تحوي ربع بترول العالم، وكانت الصين والاتحاد السوفييتي يدعمانها. 2- إن اللحظة لم تأت بعد وسوف ينهار السد قريبًا، ونرى طائرات الهليوكوبتر تنطلق مذعورة من فوق سطح السفارة الأمريكية، بينما تتدلى جثة علاوي المشنوقة من حبل معلق في أحد ميادين بغداد.3- انتهى عصر الثورات والمقاومة الشعبية الناجحة، بعد ما انهار الاتحاد السوفييتي الذي – ويا للعجب – سعوا كثيرًا من أجل إسقاطه. اتضح متأخرًا جدًا أن كلمة (اتحاد سوفييتي) كانت مرادفًا للفظة (مقاومة فعالة).4- ربما هذا كله.ح – في وقت من الأوقات، وصل عدد عمليات المقاومة إلى ثمانين عملية في العراق يوميًا، وبرغم هذا يتكلم الأمريكيون عن 1200 قتيل في عام ونصف. السبب:1- هم كاذبون.. لو مات جندي واحد في نصف عدد العمليات اليومية لكان عدد القتلى 1200 شهريًا. إن الثلاجات مليئة بجثث الجنود الهسبانيين البؤساء الذين لن يدخلوا أية إحصائية.2- أكثر عمليات المقاومة العراقية موجهة ضد العراقيين. لا وقت لمهاجمة الأمريكيين.3- الأمريكي الذي خرج من صلبه رامبو وشوارزنجر لا يموت بهذه السهولة.4- ربما هذا كله.هل أجبت عن كل الأسئلة ؟.. إذن قم بعد اختياراتك. لو كانت أكثر إجاباتك هي رقم 1 فأنت عربي أصيل فعلاً، تعاني نظرية المؤامرة بشكل مرضي وهي الطريق الملكي إلى البارانويا. لو كانت أكثر إجاباتك هي رقم 2 فأنت ثائر صغير يؤمن بالمقاومة ويعيش في زمن مكافحة الإمبريالية وجيفارا ولومومبا وناصر .. سوف تلاقي لحظات عصيبة مع من يسخرون من هذا كله باعتباره تراثًا عتيقًا باليًا. أنصحك أن تقرأ قصيدة (إذا) لكيبلنج.. صحيح أنه وغد استعماري لكن القصيدة تلخص الموقف. الخيارات التي يغلب عليها رقم 3 هي خيارات إنسان واقعي ممن يطلقون عليهم (مثقفو المارينز) ومن الواضح أن العصر عصرك ما لم تخرج أمريكا من العراق بفضيحة. أما لو كانت أكثر خياراتك هي 4 فأنت لا تعرف شيئًا على الإطلاق مثل كاتب هذه السطور، وهذا يؤهلنا كي ننضم بجدارة إلى معسكر الخاسرين في الأيام السود القادمة.

قبلية في القرن 21

القبلية ...من قال إننا تخلصنا منها ؟... بيت الشعر العربي القديم الذي يقول:شعث مفارقنا .. تغلي مراجلنانأسو بأموالنا آثار أيدينـــاهذا البيت تلقيناه جميعًا في المدرسة، وقال لنا مدرسونا – بنبرة إعجاب لا شك فيها - إنه نموذج طيب للفخر عند العرب .. تأمل مدى الاعتزاز بالنفس ؟... إن مفارقهم مشعثة من القتال، ولكن مراجلهم لا تكف عن الغليان كناية عن الكرم .. وهم يؤذون الناس باستمرار لكنهم يدفعون التعويضات .. هل ترى ؟.. الآخرون ضعفاء فقراء ومنحطو النفوس كذلك.. يقبلون بعض المال لينسوا ما أصابهم من أذى ..ليس هذا فحسب، فالأخ العربي لا يريد أن ينسى القبلية على سبيل الملل أو التعب أو السهو .. لهذا يقول:ونشرب إن وردنا الماء صفوًاويشرب غيرنا كدرًا وطينالماذا تفخر يا أخي بأنك تشرب الماء من النبع صافيًا .. بينما يشرب الآخرون طينًا ؟.. لماذا لا ننظم العملية فيشرب الجميع ماء صافيًا ؟لكن هذه الروح موجودة في العرب منذ قديم، وكنا نحسبها من سمات الجاهلية، فإذا هي تستمر وتُخلد ونقابلها في كل يوم ... على مستوى الدول وعلى مستوى الأسرة ..عرفت ذات مرة شابًا رقيق الحال خطب ابنة إحدى تلك الأسر، سأطلق عليها (هـ) لتسهيل الأمور. وكان لها أخ موشك على الزواج بدوره أطلق عليه (م).. صاحبنا رقيق الحال اشترى سجادة أنيقة للصالون من محلات القطاع العام وتركها في شقة خطيبته – كما هي العادة في البيوت المصرية – إلى أن يستكمل تجهيز بيته.. تزوج أخوها (م) قبلهما فذهب الشاب رقيق الحال لتهنئته .. هنا فوجئ بالسجادة مفروشة في صالون أخيها !.. ابتلع دهشته إلى أن تكلم مع خطيبته على انفراد، وقال لها إن العادة جرت على عدم استعمال أشيائه لأن الأمانة تقضي بهذا أولاً، ولأن هذا فأل سيئ ثانيًا، ولأن أحدًا لم يستأذنه ثالثاً، ولأن المعارف المشتركين لن يصدقوا أبدًا أن هذه سجادته هو يوم يرونها في صالون بيته، وسوف يفترضون أن أخاها هو الذي أعان الشاب الرقيق الحال بإهدائه سجادته ..هنا تحولت خطيبته الرقيقة إلى شيء يشبه مصاصي الدماء، وقالت له إنه: لا يجب أن يقول هذا (عنا) وذلك (لأننا) نعرف ما نفعل ولأن (أخي) ليس بحاجة إلى سجادتك الحقيرة هذه ...هكذا ابتلع لسانه لأنه كان يحبها فعلاً ولم يكن يريد تدمير الزيجة لأسباب تافهة كهذه .. وبالفعل صارت زوجته .. بعد هذا بعامين تزوج أخو زوجة (م) وذهبا لزيارة العريس في بيته .. فوجئت الزوجة الشابة (هـ) بأن النجفة المعلقة في الصالون هي نجفة أخيها (م) الذي سافر لبلد عربي منذ عام .. لقد جرؤت الحدأة على فك النجفة التي اشتراها زوجها بماله كي تعلقها في صالون أخيها !.. وقد راحت الزوجة الشابة (هـ) ترغي وتزبد وتتحدث عن انعدام المثل والنساء اللائي لا خلاق لهن .. فذكرها زوجها رقيق الحال في رفق بموقف مماثل حدث منذ عام .. لكنها قالت (إننا) لا نتصرف مثل هؤلاء ..(إننا) نعرف جيدًا ما نفعله .. وما فعله أخي كان استعارة بسيطة لكن هذه سرقة .. ثم إننا اعتدنا أن نشرب الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينًا ..ما دمنا نحن من يرتكب الأخطاء ونؤذي فكل شيء على ما يرام والحياة حلوة. الجرم كل الجرم هو أن يفعل بك الآخرون الشيء ذاته لأن هذا معناه أن الخير زال من العالم .. يوقف الرجل سيارته في عرض الطريق فإذا لامه سائق الأجرة الواقف خلفه، تنطع وتنمر وقال في لهجة منذرة : إنت مش عارف بتكلم مين ؟... ويرمقه بتلك النظرة البوليسية التي تعلم الكل كيف يصطنعها اصطناعًا .. كأنه من عتاة رجال الأمن ذوي النفوذ أو من مراكز القوى في الستينات .. جرب الآن أن تجعل سائق الأجرة يسد الطريق على نفس الرجل، ولسوف تسمع مواعظ كاملة عن قلة التهذيب وانعدام الأخلاق .. وتنتهي الموعظة بالعبارة الشهيرة: إنت مش عارف بتكلم مين ؟.. ثم يرفع الموبايل في عصبية وقرف إلى أذنه كأنه يطلب (مراد بيه) فلا يقول شيئًا .. فقط يغمغم ثم يغلقه بعصبية أكثر ولسان حاله يقول (أنت إنسان ميت).. هذا نموذج آخر للشعور القبلي الواضح .. وهذا الرجل لا يفعل إلا أن يمارس عمليًا أسلوب: ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينا..كل أسرة تريد أن يكون بين أبنائها الضابط ليكون عندها (إبراهيم بيه) تخالف به القوانين وتمشي على أعناق الآخرين .. كل أسرة تريد أن يكون عندها وكيل النيابة والمستشار فإن لم تجد واحدًا ناسبته أو تمحكت في قريب بعيد .. هكذا تستطيع أن تخالف القانون كما تشاء .. إن إبراهيم بيه لقادر على أن يجعلها تشرب الماء صفوًا ويشرب غيرها كدرًا وطينًا ..بفضل (إبراهيم بيه) أو (سامي بيه) يمكن للأسرة أن تظفر بلائحة أرقام ذات أربع أو ثلاث خانات .. هكذا لا يجرؤ شرطي واحد على الاعتراض ويمكنها إيقاف سيارتها في الممنوع وتهدد من تريد..لكن حدث بلا حرج عما يحدث لو أوقف واحد من قبيلة أخرى سيارته في الممنوع.. عندها تكون الطامة الكبرى .. أمال إحنا متخلفين ليه ؟شعث مفارقنا .. تغلي مراجلنا ...دائمًا (نا) الدالة على الفاعلين .. دائمًا (نحن) و(إحنا) و(عندنا) و(بتاعنا).. والزوجة التي فقد زوجها الوزير منصبه في التعديل الوزاري، فأصيبت بانهيار عصبي لأن كشك الحراسة أمام البناية قد تم رفعه .. كانت قد اعتادت أن يكون هذا (كشكنا) و(حراستنا) و(وزارتنا).. لهذا لم تتحمل فقد هذا الهيلمان لتصير كالرعاع الآخرين الذين لا يوجد كشك حراسة على بابهم ..ونشرب إن وردنا الماء صفوًاويشرب غيرنا كدرًا وطيناوالمشكلة في مصر أن الأمر تجاوز مجرد لذة قهر الجيران .. إن النجاح الاجتماعي صار يقترن اقترانًا قويًا بالقدرة على خرق القوانين .. مش إحنا .. القانون للفقراء والبسطاء (الذين يشربون كدرًا وطينًا)... أما نحن ففوق القانون ..لهذا كما ذكرت وجد مثال (مش عارف إنت بتكلم مين)... واصطنع الجميع ذلك الطابع المتكبر الغامض كأنهم من رجال أمن الدولة شديدي الخطر، برغم أن هؤلاء لن يلفتوا الأنظار لأنفسهم في إشارة مرور أو طابور مصرف لمجرد التفاخر..نحن .. نحن ومن بعدنا الطوفان ..كيف يجرؤ هذا الشرطي على إيقاف سيارتي ؟... أتراه يحسبني من الآخرين ؟.. ألا يعرف أنني من (بني مخزوم) ؟... كيف يعاقب هذا المدرس الفقير ابني في المدرسة ؟.. ألا يعرف ابن من هو ؟... لقد تعبت كثيرًا حتى أبلغ مكانة تسمح لي بمخالفة القانون ولن أسمح لواحد من قبيلة أخرى بأن يحاسبني ..وهكذا تمضي الحياة في مصر .. لا تدري هل هو وباء مستجد أم هو مرض منذ القدم لم نشف به وتظاهرنا بذلك بعض الوقت ؟.. لكننا لن نتقدم أبدًا ما لم نتعلم كيف نمشط مفارقنا ونطفئ مراجلنا إلا عند اللزوم، وننظم ورود الينبوع ليشرب الكل الماء صافيًا ...

عن العرب مرة أخرى

لا شيء يثير غيظي مثل مداخلات المشاهدين على الهواء؛ تلك التي تلوث برامج الفضائيات خاصة الإخبارية منها.. عندما يكون ضيف الحلقة في وزن حسن نصر الله أو فهمي هويدي أو سيد القمني أو المدير السابق للمخابرات المركزية في الشرق الأوسط، تكتشف أن هناك شخصًا في مكان ما يملك الشجاعة العبقرية الكافية ليرفع سماعة الهاتف ويعطل تدفق المعلومات المهم لمدة خمس دقائق، فقط كي يعبر عن آرائه في الحياة .. وهو أصلاً لا يملك أية موهبة إلا امتلاكه لخط دولي .. لكنه يتكلم بلهجة المرشد الذي يهدي هذه الخراف الضالة إلى الصواب: "أنا عجبني الأستاذ فهمي لما قال كيت وكيت وما عجبني لما قال كذا وكذا .."... إنها كلمة الحجا أخيرًا بعد ما كثر الدهماء .. وتشعر طيلة الوقت أنه من الذين يهوون سماع صوتهم وربما العبث في أصابع أقدامهم كذلك.. أذكر أن أحد هؤلاء اتصل بالشيخ القرضاوي ليصدر تعليماته: "قل للمشاهدين كذا وكذا وامنعهم من كذا وكذا ..". يومها قال القرضاوي إن نفاق العالم للحاكم أمره مفضوح وخطره محدود، أما نفاقه للعامة بأن يقول لهم ما يرغبون في سماعه فهو أمر شديد الخطر ..يقولون إن هذه المكالمات مرتبة سلفًا وأنا أصدق أن ينطبق هذا على نسبة معينة من المتكلمين، أولئك الذين يعرفون ما يقولون حقًا . لا أصدق أن يسمع جارودي المقيم في باريس الحلقة فيتصل ونسمع صوته فورًا وبهذه البساطة، ما لم يتم ترتيب ذلك مسبقًا. أما البقية الباقية فكلامها يؤكد بلا شك أن المداخلات عشوائية .. يمكن لكل متابع يقظ – وأعتقد أن أعداءنا كذلك – أن يرسم صورة دقيقة للعقلية العربية من خلال هذه المداخلات . وهي صورة لا تسر النفس على كل حال ..أولاً هناك ذلك الأخ الذي اتصل بأحمد منصور ينصح العرب بسحب أرصدتهم من مصارف الغرب بعد أحداث سبتمبر .. إلى هنا الكلام معقول .. فجأة ينفجر صارخًا : المسيخ الدجال هو من دبر أحداث سبتمبر .. أنا أنذر أمريكا إن لم تسحب قواتها في أفغانستان لأفضحن أمرهم في كل المحافل الدولية!.. وأنهى صراخه بأن أعطى أمريكا مهلة حتى صلاة الفجر للانسحاب وإلا خرب بيتها وفرج عليها (اللي يسوى وإللي مايسواش) !في برنامج آخر اتصل مسيحي مصري يؤيد المقاومة في فلسطين .. بعدها اتصل أخ من بلد عربي شقيق ليقول في حزم: "ليس لنصراني أن يتكلم عن الجهاد في فلسطين .. القضية في فلسطين إسلامية أولاً وأخيرًا أما هم فليس لهم إلا الجزية يدفعونها .."هكذا ببساطة يقول لكل مسيحي يهمه ما يحدث في فلسطين "وانت مالك يا بارد ..؟"أحيانًا يأتي الهراء مما وراء المحيط .. واحد من أقباط المهجر يتصل من الولايات المتحدة ليقول في عصبية إن الأدب العربي كله (عهر) وإن علينا أن ندرس الأدب الفرعوني العظيم الذي قدم للعالم (سنوحي).. كنت سأحترم كلامه لو قال ما قاله بالديموطيقية لكنه قاله بالعربية للأسف ..دعك من الأخ الذي أكد - بعد ما عرضت نشرات الأخبار عملية نقل عرفات المريض إلى فرنسا – أن هذه تمثيلية .. "عرفات ليس مريضًا إنما هي الطريقة المثلى ليترك الساحة لمن يتنازل من بعده !.. لو شاهدتم الصور لرأيتم أن عرفات في خير حال !" .. وتنظر أنت للصور لتجد أن عرفات يبدو كشبح .. هل أصيب الأخ المتكلم بالعمى كذلك ؟... ثم لنفترض أن عرفات يبدو سليمًا فما هو منطق هذه التمثيلية ؟.. هل عرفات يريد التنازل ؟.. إذن لماذا لا يتنازل هو نفسه ؟.. هل لا يريد التنازل ؟.. إذن لماذا يقوم بهذه التمثيلية السخيفة ؟ لكن الأخ يتكلم بلهجة قاطعة تقول بوضوح إننا بلهاء عاجزون عن رؤية الشمس ...طبعًا وقد انتقل عرفات إلى جوار ربه توقعت أن تبدأ الأغنية التالية: عرفات حي وفي مكان ما بأوروبا يستمتع بأموال الفلسطينيين .. الجنازة تمثيلية تم ترتيبها مع المخابرات الفرنسية !.. لكن خاب ظني فلم يقلها أحد بعد ..واضح أنني لست أذكى ممن أنتقدهم هنا ..هناك عبقري آخر يصر على نبذ علم الغرب كله وأن علينا أن نبدأ في تكوين علم إسلامي خاص بنا .. أي أنه يريد أن نعيد استكشاف قوانين الجاذبية وشحنة الإلكترون وتشريح البطين وربما العجلة والنار كذلك ..والسؤال هنا: لماذا تستعمل الهاتف والديش وهما ثمرة اكتشافات الغرب الكافر ؟وقد اعتادت قناة الجزيرة أن تنظم استفتاءات تداعب مقدمًا العقل العربي الذي تفهمه جيدًا .. هل تعتقد أن عرفات مات مسمومًا ؟.. هل تعتقد أن أمريكا تتلاعب بنا ؟.. الخ . والإجابة دائمًا معروفة لأن من يذكر العكس لا يمكن أن يكون عربيًا ... الحقيقة أن العقل العربي هو أخصب تربة وجدت لنمو بذور الإشاعات .. كل شيء فيه مؤامرة ما .. الكرادلة والحاخامات ساهرون في الخارج على ضوء المشاعل السباعية يشربون الدم ويخططون لتدمير حضارتنا .. حتى على مستوى الألعاب .. أقراص لعبة (بوكيمون) اليابانية عندما تحترق تكتب كلمة (محمد لا .. كعبة لا).. هل هم في اليابان رائقو المزاج إلى هذا الحد ؟.. ما نفع هذا لهم وهم لا يفكرون إلا بلغة الدولار والين ؟.. هل يكفي هذا لهدم الإسلام ؟ ..وكيف يهدمه إذا لم تكن الكتابة تظهر إلا في ظروف نادرة ؟.. ثم تعال نجرب معًا ونحرق أحد هذه الأقراص .. لا شيء .. لكن لا أحد يصدق ..الكل يؤكد أنه جرب أمس ورأى .. تخرج صحيفة مصرية مهمة تقول إن لفظة (بيكاتشو) - اسم إحدى شخصيات اللعبة - معناها (كن يهوديًا).. وهو ما أنكره كل خبراء اللغة العبرية ، لكن الجماهير لا تقبل عن نظرية المؤامرة بديلاً.. إنها طعامها وشرابها .. وتخرج المظاهرات الغاضبة ويقف تلاميذ المدارس خارج مدارسهم يحرقون أقراص البوكيمون في حماس تقربًا لله .. لا يعلم أحد مصدر هذه الإشاعة لكني أرجح أنها شركة منافسة أرادت أن يخلو السوق من البوكيمون لتسويق منتجاتها، وهو ما كان فعلاً..
عندما أشاهد أفلام الأمريكيين وحلقاتهم الكوميدية من طراز كوميديا الموقف Sitcom أجد غريبًا جدًا أن يفهم المواطن العربي هذه المواضيع أو يتذوقها لكن هذا يحدث.. مشكلة الفتى المراهق الذي لا يستطيع مواعدة Dating أية فتاة في الصف .. مشكلة الفتاة في الذهاب إلى حفل الرقص السنوي .. مشكلة الطفل الذي لا يحقق أهدافًا في لعبة البيزبول .. ثم الدعابات السمجة: "أطرف شيء حدث لي في طريقي لهذا الحفل ..تصوروا أنني لم أجد زيتونًا للمارتيني !" فينفجر الجمهور ضحكًا ومعه يضحك (عباس) أو (حلمي) من فرط طرافة الموقف.. لا زيتون للمارتيني ؟... يا للسخرية!. ثم الكلام عن "بطل الكلية الذي يزن مائة رطل وطوله ستة أقدام".. فتحاول أنت جاهدًا فهم ما يمثله هذا بالمتر والكيلوجرام .. ثم يظهر مقدم حفل الأوسكار الذي مهمته هي التظرف – ستيف مارتن غالبًا - ليقول لنا: "لقد شعرت كأنني في رون هوارد شو !" .. هنا ينفجر الجمهور ضحكًا ويوشك على الاختناق .. أنت مطالب بأن تعرف ما تعنيه هذه الدعابة أو تختنق ضحكًا مع الجمهور ..حتى على مستوى مجلات الأطفال، لماذا لا يتزوج دونالد صديقته ديزي أبدًا ؟..إنه يحاول الفوز بحبها ومن جديد ندخل في نطاق (المواعدة).. لكن ولا كلمة عن الزواج .. أين الآباء والأمهات في هذه القصص ؟.. ويلاحظ من يتابع الأفلام الأمريكية الحديثة أن هناك نغمة تقديس واضحة لثلاثة أنماط من البشر: الزنجي واليهودي والشاذ جنسيًا.. راجع فيلم (أفضل ما يكون) حيث تجد ثلاثة الأنماط معًا. يسهل قبول العنصر الأول بشرط ألا يتحول إلى عنصرية مضادة، وإن كان العارفون ببواطن الأمور يؤكدون أنها مجرد قشرة سطحية تخفي عطن العنصرية .. يسهل قبول العنصر الثاني بشرط ألا يتحول إلى صهيونية أو تعصب أعمى .. أما العنصر الثالث فابتلاعه عسير جدًا.. لكننا نتعلم كيف نبتلعه بالتدريج، وعلى طريقة راسبوتين في ابتلاع جرعات متزايدة من السم يوميًا .. إن الثقافة الأمريكية قوية إلى درجة أنها تخدر المواطن الأمريكي نفسه .. هذا المواطن الذي يمسك بعلبة البيرة الباردة ويلبس الكاسكيت بالمقلوب ويصلح هوائي التلفزيون لمشاهدة مباراة كرة القدم .. كرة القدم التي يلعبها على عكس العالم كله. وهو يؤمن فعلاً بأن أمريكا تقود العالم الحر وأن ديموقراطيتها هي النموذج الأعلى للشعوب الأخرى.. هذا المواطن التعس الذي آمن بخطر الشيوعية، ثم بعد سنوات راح يتساءل: كيف قادنا ماكارثي إلى هذا كله ؟ ... هل كنا مجانين ؟.. ثم نسى الأمر برمته وحارب في فيتنام وبعدها بسنوات راح يتساءل كيف وصلنا لهذا ؟.. كيف كنا بهذا الحمق ؟.. ثم سرعان ما نسى وأرسل ابنه إلى العراق .. ولسوف يتذكر الأمر بعد عام أو عامين ليتساءل: كيف تركنا بوش يقودنا إلى هذا الجحيم ؟..بعد خسارة كيري أمام بوش قرأت رأيًا لأحد المواطنين الأمريكيين يقول: لقد كان كيري رائعًا في المناظرات .. لكننا نؤمن أن المناظرات لا تدل على شيء لهذا كان لابد أن يخسر !..تأمل معي منطق الأطفال هذا: من يفز في المناظرة لابد أن يخسر الانتخابات لأن المناظرات لا تدل على شيء!.. إذن هل كان على كيري أن يخسر المناظرات ؟.. وما جدواها إذن ... ؟.. كائن مغرور ساذج مخدوع ..هذا هو المواطن الأمريكي .. المواطن الأمريكي المتوسط الذي ليس خبيرًا في مؤسسة (راند) وليس طبيبًا في (مايو كلينيك).. لكنه صار النمط الثقافي الأكثر جاذبية على ظهر هذا الكوكب، وصار على الشباب أن يفرح لما يفرحه ، و يقلق من أجل ما يقلقه حتى لو كان عدم وجود زيتون لشراب المارتيني.. إنها العولمة التي وصفها د. (جلال أمين) بأنها تسري في اتجاه واحد : منهم إلينا .. بينما المفترض أن تسري في الاتجاهين .. لكن الأمريكي يؤمن أنه ليس لدى الشعوب الأخرى ما تقدمه له إلا فطيرة إيطالية جديدة أو وجبة مكسيكية أو أسلوبًا صينيًا جديدًا في التأمل .. لقد تغلغلت الثقافة الأمريكية في خلايانا وخلايا شبابنا بلا شك .. والمشكلة أن المقابل الفكري المتمثل في الاتحاد السوفييتي لم يعد موجودًا .. كانت هناك سماء وأرض، وكان هناك أبيض وأسود، وكان هناك ماء ونار .. اليوم لم يعد لدينا إلا الأرض والأسود والنار .. فلابد أن الناس في روسيا الآن يحاولون تحويل الرطل والقدم إلى الكيلوجرام والمتر، أو يبحثون عن زيتون لشراب المارتيني !
تخرج وسائل الإعلام للقاء الشباب ومعها المذيعة التي سكبت زجاجة أكسجين كاملة على شعرها ووضعت طنًا من المساحيق كأنها إحدى بطلات مسرح الكابوكي الياباني.. تسأل الشاب عن اسم وزير (التوابع المضادة) أو وزير (التعاون الإعلامي التخطيطي) فلا يمن الله عليه بكلمة .. من ثم تخرج الصحف صارخة: الشباب تافه شهواني رقيع .. ليت الشباب يهتم بعقله كما يهتم بالدهان الذي يسكبه على شعره ..الحقيقة أن الإجابة عن هذا تكمن في كلمات (أورويل) في روايته الرائعة 1984 عندما دبت مشادة بين البطل وحبيبته حول (هل كان الحزب في حرب مع أيستاسيا أولاً أم كان في حرب مع إيوراسيا ؟)... يقول (أورويل) إن الفتاة لم تكترث بهذا على الإطلاق لأنها لا ترى فارقًا بين هراء وهراء آخر .. الشاب لم يختر وزير (التعاون الإعلامي التخطيطي) ولم يسمع عنه من قبل، ويوم يرحل هذا الوزير فلن يعرف أحد السبب .. إذن ما جدوى معرفة اسمه ؟.. لا فارق بين (هراء وهراء آخر).. اسمحوا للشاب أن يختار وزير (التعاون الإعلامي التخطيطي) ثم طالبوه بأن يعرف اسمه، وانصبوا له المشانق لو لم يعرفه ..نفس الشيء ينطبق على الأسئلة من طراز (متى مات بيلاطس البنطي ؟).. (ما طول نهر المسيسبي ؟).. (من مؤلف كتاب تثقيف الشعوب في تقنية الحاسوب ؟).. السيدة المذيعة لو انتزعوا منها البطاقة الأنيقة لن تعرف الإجابة، والسيد المعد لا يعرف الإجابة وأنا لا أعرف الإجابة، وليس مما يفيد الإنسان المعاصر أن يعرف طول نهر المسيسبي ما دامت هذه المعلومات موجودة في أية دائرة معارف .. إنها ثقافة (الكلمات المتقاطعة) التي يصرون على أنها هي الثقافة ولا شيء سواها، بينما الثقافة هي أن تستخدم ما تعرف في تكوين مفهوم متكامل للعالم من حولك وكيفية التفاعل معه ..لكن وسائل الإعلام لا ترضى بهذا .. هي لا تريد إلا أن ترى الدماء تسيل وتلطخ كل شيء .. لهذا تطالب برأس الشاب التافه.. بينما اسم آخر أغنية لراغب علامة أو عيد ميلاد روبي هي بالفعل معلومات تبدو مهمة للشاب .. على الأقل هو لا يُرغم على معرفتها، وتمس حياته – ورغباته – بشكل واضح .. ولا تتعالى عليه أو تعده بما لا يمكن تحقيقه .. ولا تهدم ما آمن به من قبل بلا مبرر.. والأهم أنها لا تسد عليه طريق الترقي والنمو في الحياة .. باختصار: (روبي) تبدو هي الشيء الوحيد الحقيقي وسط كل هذه الأوهام وكل هذا الكذب ..

هي دي مصر - 4

قبل أن أخط حرفاً في هذا المقال، يجب أن أعترف بأن العبد لله ليس متخصصاً في السينما ولم يدرسها إلا بشكل هاو من خلال مشاهدة الأفلام، وقراءة كل ما وقع في يده عن هذا الفن الرائع. لكني أحسب أن عندي عقلاً يميز، وأعرف الزبد الذي يذهب جفاء وما ينفع الناس. أعرفه وإن كنت لا أعرف غالباً كيف أقدم الأخير.السؤال الذي أريد أن أسأله هو: هل العبقري (يوسف شاهين) عبقري حقاً ؟.. لنضع السؤال بشكل أدق: هل (يوسف شاهين) المؤلف Auteur قد أضاف شيئاً ليوسف شاهين المخرج ؟...سؤال أمين لا أبتغي منه إلا الظفر بإجابة أمينة .. ويجب أن اذكر القارئ الكريم بأنني أعتبر (الأرض) أعظم فيلم مصري على الإطلاق، ولم أستطع قط أن أرى لقطة واحدة من (باب الحديد) من دون أن أتابع الفيلم حتى كلمة النهاية.يكتم البعض ابتسامته الخبيثة ويهمس البعض في ضيق: "هي ذي اللعبة التقليدية .. اقذف العمالقة بالحجارة ليُذكر لك أنك يوماً قذفتهم .. جربها الكثيرون مع (العقاد)، وجربها (العقاد) نفسه مع (شوقي) في مستهل حياته حين فتح عليه مدافع الديوان..". لكني أكرر أن هذه هي المشكلة فعلاً.. لا أحد يصدق أو يقبل أو يسمح بأن يكون (يوسف شاهين) أقل من المكانة التي رسمناها له..ومن هنا يأتي السؤال: هل الإمبراطور بكامل ثيابه أم أننا نخشى الاعتراف بعكس ذلك كي لا نبدو حمقى ؟ لماذا؟.. لأنه الأستاذ..لقد قدم شاهين فيلمه الأخير (إسكندرية نيويورك) وفيه تحدث عن الأمور التي تروق له كالعادة بدءاً بـ(فريد استير) والدراسة في أمريكا الخ، تملق تلك الأخيرة إلى حد لا بأس به، لكن هذا الصنم القاسي لم يتقبل القربان، ورأى أنه دون المستوى طبقاً لكلمات لجنة التحكيم في مهرجان نيويورك .. والنتيجة..سوف تبدأ أعنف حملة ممكنة تتهم رفض المهرجان لفيلم شاهين الأخير بأنه عمل عنصري قذر، وأنه يعبر عن الوجه القبيح الحقيقي لأمريكا. ولن يجرؤ أحد أبداً على مراجعة إمكانية أن يكون الفيلم رديئاً فعلاً. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..هذه هي مشكلة يوسف شاهين.. إنه تحول إلى Cult غير قابل للمراجعة أو المناقشة. وحتى الكومبارس الذي يقدم للبطلة كوب ماء في أحد أفلامه يعتبر نفسه أستاذاً من أساتذة التمثيل، ويقول في وقار وغموض:" أفضل أن يرى الناس العمل ليحكموا بدلاً من أن أتكلم عنه". وغدا من التقليدي في كلام أي ممثل أن يحكي عن (تجربة التطهير أو الميلاد الجديد) التي اجتازها بالعمل مع شاهين. يصر شاهين على أنه مفكر .. وهنا أخطر المآخذ التي لا أدري كيف نقبلها في أفلامه .. إلام يفضي المسار الفكري لفيلم (المهاجر) ؟.. رؤية مختلة لقصة سيدنا يوسف مع تنويه واضح إلى أن (الأرض لمن يستطيع أن يزرعها) ولا أعرف إلام يفضي بنا هذا ؟.. ماذا عن الرسالة المضطربة في (وداعاً بونابرت) حول أن العلاقة المثلية بين جنرال فرنسي وشاب مصري هي الطريق الوحيد إلى امتزاج الحضارات والسلام ؟. حل مشكلة التطرف في (المصير) هو أن نرقص أكثر.. وقد نشب خلاف صحفي شهير عندما عرض (حدوتة مصرية) لأنه تجاهل كون الفكرة ليوسف إدريس .. قال يوسف إدريس إن شاهين جاءه بفكرة ساذجة عن ولد اسمه (آدم) وبنت اسمها (حواء) يلتقيان للحب فيبرز لهما رجل غليظ يحمل شومة المفترض أنه (المجتمع).. طبعاً لم يكن إدريس مستعداً لسماع المزيد من هذا الكلام، وقدم فكرته العبقرية التي تدور حول محاكمة إنسان داخل ضلوعه، بسبب إحباطه للطفل بداخله.. وكيف تحول هذا الطفل إلى جلطة تسد شرايينه التاجية. يمكن لنا إذن أن نتصور الفيلم لو خرج بصورته الأولى !في أفلام شاهين يتكرر ذلك الخلط الساذج بين المتصوفين ورواد الموالد والأصوليين، فهو – كالخواجات تماماً – يضع كل هؤلاء في سلة واحدة تمسك بالدف وتتطوح ذات اليمين واليسار، برغم أنه لا يمكن الجمع بين المتصوفين والأصوليين أبداً، فكلاهما يرى الآخر خارجاً عن الدين. وقد اتهمه د. (عاطف العراقي) أستاذ الفلسفة الشهير بأنه اخترع (ابن رشد) لا وجود له.. ماذا عن الإرهابي الذي يضع أيقونة القنبلة على بريده الإلكتروني ؟... لكن أحداً لا يعلق .. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..أما عن الجانب الأخلاقي للأفلام فهناك ميزانان في الرقابة .. ميزان للعامة وميزان لشاهين .. هكذا تصفح الرقابة في تسامح أسطوري عن علاقات الحب المثلية التي لا يخلو منها فيلم من أفلامه تقريباً، ولعله تملق لتيار العولمة، وأراهن أنه يفتخر في مناقشاته الخاصة في الغرب بأنه أول من تجاسر على تقديم علاقات كهذه لمجتمع متخلف. تصفح الرقابة عن العلاقات الأسرية المختلة في كل فيلم..عن الاشتهاء الواضح من الأم لابنها في (الآخر)، وتصفح عن اشتهاء الأخت (صفية العمري) لأخيها في (المهاجر)..حتى زوجة الفيلسوف (ابن رشد) لم يرحمها .. إننا نرى في عينيها اشتهاء كاملاً للفتى الفرنسي الذي جاء يتتلمذ على زوجها. وتصفح عن مشاهد كاملة في (إسكندرية نيويورك) لو قدمها سواه لعلقوه مشنوقاً في ميدان (طلعت حرب).. ما معنى هذا ؟. نظارة هيبة العبقرية وضعت على عين الرقيب فلم يعد يرى... لماذا ؟.. لأنه يتعامل مع الأستاذ..دعك من الميزانسين المحفوظ المكرر في أفلامه. فالناس لا يتكلمون بهذه الطريقة، كأن يقف أحدهم وراء جدار ويطل من نافذة فيه ليكلم الآخر الواقف في الناحية الأخرى. بالإضافة لهذا يبرهن يوسف شاهين عن أنه لا يفهم شيئاً عن الأسرة المصرية المتوسطة التي يقحمها في كل أفلامه. وهو يعتبر ذروة المصرية أن تقول (حنان ترك) لأمها وهي ترقص (خطبني تحت المطر) فتقول أمها دامعة العينين: (مش حاقول رأيي غير لما اشوفه)..أما عن التمثيل فهو لم يكف يوماً عن خنق موهبة ممثلين عظام مثل (محمود حميدة) وآخرين ليتحركوا في القيود الضيقة التي صنعها لهم، كما لم يكف عن اكتشاف وجوه لا علاقة لها بالتمثيل مثل (هاني سلامة) و(أحمد محرز) و..و... لماذا يقحم داليدا لمجرد أن يثبت أنه يستطيع ؟.. يقول الناقد (سامي السلاموني): "اختار (شاهين) للفيلم (سعاد حسني) ثم (محسنة توفيق) ثم (فردوس عبد الحميد) وفي النهاية استقر على (داليدا).. كيف يصلح لسعاد حسني ما يصلح لداليدا ؟.. معنى هذا أن يوسف شاهين لا يؤمن بقيمة الممثلين، وهو يرصهم كقطع الشطرنج في أفلامه ليقولوا أي كلام". لماذا ؟.. لأنه الأستاذ.. وترى الفيلم أي فيلم فلا ترى معجزة تمثيلية ما.. إن الممثلين متخشبون مسجونون في قيود فولاذية فرضتها شخصية شاهين القوية عليهم، ولا أحد منهم يجرؤ على حركة زائدة .. الكلام يخرج على طريقة (عمر الشريف) في (صراع في الوادي) من شفة عليا مسدلة متصلبة، وكأنه طلقات الرصاص مع نغمة ناعسة ملول لا داعي لها، والمقاطع مدغمة، والتعبير على الوجه يأتي بعد إنهاء الكلام لا معه. وأشك في أن كل من مثل معه عاش أقسى لحظاته وإن كان لا يعترف بهذا. ماذا عن الحوار الركيك الذي يصر على كتابته على غرار (أمريكا إلي محدش يقدر عليها) ؟.. وهو ينهي المصير بعبارة بالغة العمق (الأفكار لها أجنحة محدش يقدر يحبسها).. ماذا عن الإصرار على فريد أستير الذي لم يكن قد عرض له أي فيلم في مصر عندما انتشرت الكوليرا في (اليوم السادس).. ؟..يقول سامي السلاموني: "كيف عرف القرداتي كل هذا عن (فريد أستير) ما لم يكن قد سافر إلى نيويورك ليحضر عرض فيلمي (في المدينة) و(الغناء تحت المطر) ؟". لكننا نعرف السبب .. لقد قدم شاهين هذا فقط لأنه يحبه.. كما يمكن أن يقدم فيلماً كاملاً مثل (إسكندرية كمان وكمان) ليثبت أنه راقص بارع و(إسكندراني جدع).. لماذا ؟.. لأنه الأستاذ..كما قلت في بداية المقال، لا اعتراض لي على يوسف شاهين المخرج .. بل إنه من أعظم مخرجينا وأكثرهم سيطرة على تكنيك أفلامه. لكن – كما يقول سامي السلاموني - ماذا يبقى من أفلامه إذن لو نزعنا التكنيك ؟. وطبعاً لا اعتراض على التصوير والمونتاج لأنه يعمل مع الطاقم الأفضل دائماً... المخرجون من عينة محمد خان وصلاح أبو سيف وخيري بشارة وداود عبد السيد قدموا أساليب فريدة ناضجة لكن من دون ادعاء، ولم يتهمهم أحد بالعبقرية، كما إنهم – على قدر علمي – لم يتلقوا قدراً زائداً من التدليل .. .. بالنسبة لي يوسف شاهين هو العبقري الذي قدم باب الحديد والأرض ... هو المخرج فقط لكن لي ألف اعتراض على المؤلف .. فما رأيك أنت ؟

الجواب النبوي على الرسومات

نشرت صحيفة دنماركية تصويرا للنبي (صلى الله عليه وسلم) يصفه بالإرهاب، مكررة مقالات بعض سفهاء الغرب قديما وحديثا. قال جيري فولويل، أحد رجال الدين الأمريكيين وأحد أعلام المسيحية الصهيونية: «إن المسلمين يولدون إرهابيين بالفطرة»، وقال: «إن نبي المسلمين هو نبي إرهاب».
ما فعلته الصحيفة الدنماركية قابله المسلمون باستنكار تلقائي واسع النطاق، من مظاهرات غاضبة واحتجاجات ثائرة. هذا الانفعال التلقائي شعور طبيعي، حيثما مست المقدسات، وقد شهدت أمثاله المجتمعات الغربية حيثما مست مقدساتهم، لذلك شرعت بعض دولهم أحكاما تجرم الإساءة للمقدسات.
الاعتقاد الديني والانتماء الثقافي من حقوق الإنسان، والنيل منهما تلطيخ وتشويه ليس من الحرية في شيء. الحرية توجب احترام حقوق الآخرين، وإلا صارت فوضى ينتصر فيها كلٌّ لحقه بيده. هذا هو ما أكدته مؤسسات حقوق الإنسان القومية الأوربية اليونانية والآيرلندية والدنماركية والفرنسية، التي اجتمعت في كوبنهاجن في بداية هذا الشهر، فقد أعلنت أن كل حقوق الإنسان يجب أن تمارس بشكل لا ينتهك حقوق الآخرين، وأن التاريخ الأوروبي يزخر بالدروس حول النتائج الخطيرة للغاية لتراكم الأحداث التي تؤدي للفصل بين الأغلبية والأقليات الإثنية والدينية. هذا الفصل يزرع الكراهية والعنف المدمرين لأي مجتمع، وأن نشر الرسومات ورد الفعل الناتج عنها، يجب أن ينظر له من خلفية جدل فيه ما فيه من التوتر والاستقطاب.
الإسلام اليوم هو الدين الثاني في الغرب بعد المسيحية، وهو الديانة الأسرع انتشارا فيه، حتى بلغ عدد المسلمين بين المواطنين الأصليين والمهاجرين، الذين اكتسبوا حق المواطنة، عشرات الملايين في الولايات المتحدة وأوربا.
هنالك عناصر كثيرة في الغرب غير راضية عن هذا التمدد الإسلامي، في ظروف التعايش بين الأديان والحريات العامة. بعض هؤلاء ينطلقون من أسباب دينية وثقافية ظهرت بوضوح في أسباب معارضتهم لضم تركيا للاتحاد الأوروبي. ولكن آخرين ينطلقون من أسباب استراتيجية لاتخاذ الإسلام عدوا بديلا للاتحاد السوفيتي المباد. هؤلاء يقولون بوجود أسباب بنيوية لحتمية العداء بين الإسلام والغرب، مروجين لنظرتهم هذه بما يخدم طائفة من الأغراض:
* ترسيخ الهوية الغربية في وجه عدو مشترك، وتبرير أعلى درجات الاستعداد العسكري الذي تتطلبه الآلة الصناعية العسكرية الغربية.
* تبرير السيطرة على منطقة تمكن السيطرة عليها من وضع اليد على حقول البترول بصورة مباشرة أو غير مباشرة. سيطرة مطلوبة للهيمنة على العالم.
* تبرير استمرار التماهي بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتواصل الأخيرة دورها المعهود أثناء الحرب الباردة، ولتبرير تطلعات المسيحية الصهيونية التي تدعي التمهيد لعودة المسيح عليه السلام.
وفي المقابل يوجد بين المسلمين من يرون أن الغرب هو العدو الصليبي للإسلام، وليس بيننا وبينه إلا المنازلة الحتمية. هؤلاء هم:
* القائلون إن سورة براءة وآيات السيف فيها وضعت حدا نهائيا للعلاقة بين المسلمين والآخرين، وفحواها ألا نقبل منهم إلا اتباع الإسلام أو الامتثال للجزية.
* حركات إسلامية أثارها وجود قوات غربية في البلدان الإسلامية بإذن أو بدون إذن حكوماتها. هؤلاء أعلنوا حربا «جهادية» ضد الغرب، متحللين من ضوابط الجهاد المعروفة، بحجة أن الشعوب المعنية تنتخب حكوماتها وتمولها بالضرائب وتنخرط في جيوشها، فالكل عدو محارب مستباح الدم والمال.
* هنالك بعض الحكومات في البلدان الإسلامية تواجه حصارات دولية لأسباب معلومة. هؤلاء يستغلون أية فرصة لتفسير أنهم مستهدفون عداء للإسلام.
هذه الجهات الست استقبلت حادث الاساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وربما خطط له بعضهم، لتغذية الأجندة الصدامية ويسعون لتوسيع الأمر من نطاق معاقبة الجاني، أو نطاق الدعوة لسن قوانين لاحترام الدين الإسلامي ومنع الاساءة إليه، إلى مواجهة الدنمارك شعبا وحكومة، ومعها كافة البلدان الغربية، واعتبار الأمر مواجهة بين الإسلام وحرية التعبير، أو بين الإسلام والصليبية، أو بين الإسلام والغرب، وغيرها من الرؤى التي تخرج من حدود الواقع إلى آفاق الايديولوجية.
أمامنا نحن الأغلبية المسلمة والغربية الانسياق وراء أجندة الصدام هذه حتى آخر غاياتها الظلامية، أو أن نواجه الموقف بصورة مختلفة تضع الحادث في حجمه، وتعاقب الجناة، وتمنع تكرار الجناية، وتضع أساسا عادلا للتعامل.
هنالك ثلاثة إجراءات مطلوبة بإلحاح:
أولا: إدراك الاتحاد الأوروبي أنه الآن يضم شعوبا متعددة الأديان والثقافات، ومع أن واجبها أن تحترم الدساتير الديمقراطية التي تحكم البلدان الغربية، فإن حقها أن تنعم بالاعتراف بهويتها الدينية والثقافية، ضمن معادلة توفق بين الحقوق والواجبات. وللحيلولة دون الاستقطاب والمواجهات ينبغي أن تجرم التشريعات أية إساءة للمقدسات.
ثانيا: تطور الوعي العالمي بحقوق الإنسان الدينية والثقافية، بصورة توجب إبرام معاهدة تلحق بمعاهدات الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، معاهدة خاصة بالحقوق الدينية والثقافية تلتزم بها الدول.
ثالثا: كثير من المجتمعات الغربية جاهلة بحقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة الذي انفردت رسالته:
* بالاعتراف للإنسان بقيمة وكرامة من حيث هو إنسان.
* بالاعتراف بالتعددية الدينية.
* بمحتوى اجتماعي جعل العدالة الاجتماعية تالية في الأهمية للتوحيد.
* الالتزام بأحكام وأخلاق حتى في ظروف القتال، حماية للنساء والأطفال والمسنين، أي حماية للمدنيين.
* وكان نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) إنساني المعاملات توقيرا للكبير وعطفا على الصغير وتكريما للمرأة.
هذه المعاني غابت عن كثيرين بسبب الجهل، وغيبت عن كثيرين بسبب الغرض، وساعدت على ذلك مقولات بعض المسلمين، فقد سمى هؤلاء سيرته «المغازي»، مع أنه حقق أهم إنجازاته سلميا: إقامة الدولة في المدينة، واستمالة القبائل العربية في عامي الحديبية وفتح مكة.
ومن المسلمين قديما وحديثا من أصدر فتاوى إكراه وعدوان وتدمير يبرأ الإسلام منها. ويبرأ الإسلام من ذبح الضحايا أمام الكاميرات من دون محاكمة شرعية عادلة. إن علينا أن نحمي ديباجة الإسلام الناصعة من هؤلاء مثلما نحميها من الآخرين.
ولا يفوتنا أن نذكر، ونحن نعبر عن غضبتنا واستنكارنا حكمة العز بن عبد السلام: «كل عمل يأتي بنتائج تناقض مقاصده باطل». وفوق ذلك كله فالرشد الرباني يوجب أن نتعقل ونتذكر ونتدبر ونستصحب قوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)..المائدة الآية 8 ، و(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، سورة الأعراف الآية 199.

صاحب رجل المستحيل



كنت في ضيافة د.نبيل فاروق بالأمس...تحاورنا كثيرا في موضوعات عدة و لازلت عند رأيي أنه خسر الكثير بنفصاله عن المؤسسة العربية الحديثة

هما عايزين ايه تاني ؟!و

اعتذر مسؤولو الدانمارك وشرحوا عدم ولايتهم علي صحفهم وهذا صحيح. حتي وان لم نصدقه، وتضامن معنا البعض وتحدانا البعض، ثم اعتذرت الصحيفة بالعربية الصريحة. أي وموجهة لنا جميعا حتي ولو لم نصدقها، فهو اعتذار واضح وغير كده يبقي تفتيش في الضمائر . فماذا نريد أكثر من ذلك. وما معني أن الاعتذار لا يكفي؟ هل المطلوب أن تدخل الدنمارك الاسلام؟ أم المطلوب الذي يكفي هو غزو الدنمارك؟ أم سفك دماء أبريائه هنا أو هناك علي أيدي جماعات ارهابية؟ وما المطلوب غير الاعتذار؟ لقد أعلن العرب بدعم واضح من رؤساء وأمراء يزايدون علي الناس ويبتزون مشاعرهم الدينية وكذلك بدعم من مصانع ألبان وجبنة تنافس منتجات المصانع الدنماركية مقاطعة البضائع وارد دانمارك ماشي. الآن وقد نشرت صحف فرنسية وألمانية وايطالية وتشيكية وأسبانية وهولندية الرسم كلها مرة أخري، هل نقاطع هذه الدول وبضائعها وسياراتها اذن؟ أريد من شمروخ من الذين تهتز رؤوسهم غضبا وتحمر وجوههم حماسا في الفضائيات أن يترك سيارته الألمانية أو الفرنسية ويركب سيارة هندية. واذا نشروا الرسوم في الهند يقاطعهم ويركب جملا أو حصانا عربيا أصيلا .

Sunday, February 05, 2006

الجنة هي حيث رجال الشرطة بريطانيون، والطباخون إيطاليون، والعشاق فرنسيون، والميكانيكية ألمان، وكل هذا يديره السويسريون .. جهنم هي حيث رجال الشرطة ألمان، والطباخون بريطانيون، والميكانيكية فرنسيون، والعشاق سويسريون، وكل هذا يديره الإيطاليون !
هناك كذلك القصة القديمة عن المرأة التي غرقت بها السفينة لتجد نفسها على جزيرة مع رجلين .. فماذا سيحدث بالضبط ؟

لو كانوا أسبانًا: سيقتل أحد الرجلين الآخر ويفوز بالمرأة.
لو كانوا إيطاليين: ستقتل المرأة أحد الرجلين.
لو كانوا عربًا: ستقتل المرأة الرجلين لتشعر بالأمان.
لو كانوا بريطانيين: لن يحدث شيء لأن أحدًا لم يقم بتعريفهم إلى بعض !
لو كانوا روسًا: لن يحدث شيء لأنهم سينتظرون التعليمات من موسكو.
لو كانوا فرنسيين: لا توجد مشكلة !
لو كانوا أمريكيين: سيقوم الرجلان بتكوين شركة وينسيان كل شيء عن المرأة..
لو كانوا يونانيين: سيفتتحون مطعمًا .
لو كانوا دانمركيين: سينتحر الجميع !
لو كانوا سويديين: سيقتل الرجلان المرأة ويتزوجان !

العرب ..أساتذة المؤامرة

يبدو أنه لا يوجد مكان في العالم تفر إليه من نظرية المؤامرة إلا القبر.. وربما تجد من يشكك في وفاتك لا سمح الله ويزعم أنها خدعة كبرى قام بها الموساد. في العام 1969 زعم الكثيرون في مصر أن الأمريكيين لم يصلوا للقمر وإنما هم يكذبون، وكنت تجد الواحد من هؤلاء ينظر لك متهكمًا ولسان حاله يقول: "يا لك من ساذج ! .. ".

كانت هذه هي الصيغة الأولى للإشاعة إلى أن جاءت الصيغة الثانية حول أرمسترونج الذي سمع الأذان على سطح القمر. المهم أن هناك مؤامرة وشيئًا تخفيه الحكومة الأمريكية وخلاص. وقد اعتقدت أن هذه من العادات الأبدية المميزة للشخصية العربية التي تجلس وتصدر الأحكام ولا دور لها في الصراع الحضاري، حتى وجدت عددًا من مواقع الإنترنت الأمريكية تناقش هذه الفرضية بحماس .. لا أصدق حرفًا من هذا التشكيك، لكنه جدير بأن نسمعه أولاً ..

بدأ كل شيء بخبير تصوير يدعى (كيفين أوفرستريت) أبدى رأيه في الصور الشهيرة التي تظهر هبوط طاقم أبوللو 11 على القمر ، ثم بدأ المتشككون يزدادون عددًا .. إلى أن قدمت شبكة فوكس الإخبارية عام 2001 برنامجها الشهير عن الخدعة الكبرى، مما جعل الموضوع شبه منته لدى هواة نظرية المؤامرة.

يرى هؤلاء أن صور الهبوط على القمر تم تصويرها في ستوديو في قاعدة جوية في (سان برناردينو).. أما المؤيدون فيقولون إنه لو كانت الصور مزيفة لما صمدت خلال ثلاثين عامًا لفحص العلماء والمدققين .. من المستحيل تصور وجود مؤثرات خاصة بهذه الدقة عام 1969، بينما الأفلام الحديثة مثل (حرب الكواكب) و(رحلة النجم) مليئة بالأخطاء التي يكتشفها أي طفل.

يعتمد (أوفرستريت) على حشد من النقاط التي وجدها في الصور .. مثلاً انعكاسات الأشياء على زجاج قناع رواد الفضاء يوحي بوضع معكوس للعلم الأمريكي غير الموضع الذي غرس فيه فعلاً.

العلم يرفرف مع النسيم فكيف يوجد نسيم على ظهر القمر ؟. لا توجد أية نجوم في أية صورة التقطتها ناسا برغم أنه من المنطقي أن تزدان السماء بها متى غادرنا غلافنا الجوي. يقول المدافعون عن ناسا إن هذا منطقي لأن ضوء الشمس يغمر سطح القمر ويحجب أية نجوم ، والأمر يشبه خروجك من غرفة ساطعة الإضاءة إلى الليل .. عندها لن ترى أي نجم. قال المشككون إن آثار المركبة القمرية واضحة ومحددة أكثر من اللازم، ولابد من خلط التربة بالماء لإحداث أثر كهذا .. الإجابة هي أن التربة القمرية ناعمة جدًا كالدقيق تلتصق بالأحذية وترسم أي شكل يلتصق بها من دون ماء.

قال المشككون إن أحد الجبال عليه حرف C بشكل واضح وإن هذه علامة تخص صاحب (العهدة) كما يكتبون (بيومي) على ظهر الكراسي عندنا.. الحقيقة أن هذا الحرف لم يوجد في الصورة الأصلية التي صار عمرها ثلاثين عامًا، إنما في النسخ المستخدمة منها فهو مجرد عيب تحميض.

يتساءل المشككون كيف يظل الفيلم سليمًا في درجة حرارة قمرية هي 280 فهرنهايت ؟. المفترض أن يذوب ويتحول لكرة.. الإجابة هي أن علب الأفلام كانت واقية ضد تغيرات الحرارة.

أما النقطة الأهم التي يكررونها في كل مقالاتهم تقريبًا فهي: كيف استطاع رواد الفضاء اختراق حزام (فان ألين) الإشعاعي القاتل المحيط بالأرض ؟... الإجابة هي أنهم يجتازونه مرتين فقط أثناء المغادرة وأثناء الرحيل، وتكون سرعتهم خمسة وعشرين ألف ميل في الساعة لهذا يتعرضون له أقل من ساعة، وهذا لا يكفي إلا لإصابتهم ببعض الغثيان .

وكيف استطاع الرواد أن يمشوا وسط مليارات النيازك الصغيرة التي ترتطم بهم كل ثانية ؟... كيف لم تحدث المركبة ثقبًا تحتها عندما لمست تربة القمر ؟.. الإجابة هي أن مساحة القاعدة التي تمس التربة عريضة مما أدى لتوزيع الضغط وبالتالي صار الضغط عليها لا يتجاوز وزن رائد الفضاء ذاته، دعك من أن عدم وجود ثقب هو أقرب للتصديق من وجوده، لأنه كان بوسع ملفقي المشهد أن يصنعوا واحدًا. أما اغرب ما قاله المشككون فهو أن بعض الصور تظهر طاقم السفينة في بناية حديثة بها أضواء معلقة .. هذه صور تذكارية صورت على الأرض قبل الإقلاع ولم تزعم ناسا قط أنها صورت على القمر. أما عن العلم الذي يبدو مرفرفًا فهذا يعود إلى سلك معدني تم تثبيته في القماش كي لا يبدو العلم منكسًا .

قالوا إن فيلم الفيديو تم تصويره على الأرض بطريقة الحركة البطيئة حتى يبدو الأمر كأنها جاذبية القمر الضعيفة التي تبلغ سدس جاذبية الأرض، وإن تسريع الفيديو يجعل الصور تبدو كأنها على الأرض بالضبط. قالوا كذلك إن الصور متقنة جدًا بينما التحكم في الكاميرا الضخمة بثياب الفضاء المربكة أصلاً تجعل هذا مستحيلاً. من ضمن الاعتراضات أيضًا أن الخلفيات في الصور متشابهة برغم أن الصور أخذت من أماكن متباينة .. وهناك صور متشابهة جدًا قيل إنها التقطت في أيام مختلفة .. الحقيقة أن هذا كان خطأ من فنيي ناسا الذين صنفوا صورًا التقطت في ذات الساعة على أنها التقطت في أيام مختلفة. ثمة موقع شهير آخر يزعم أن الفيلم تم تصويره في المنطقة 51 المزعومة المحرمة على الطيران والصحافة لأن الصور تشبه الصحراء في تلك المنطقة، ولهذا ما زالت هذه المنطقة محرمة على المواطنين حتى لا يفتضح الأمر.

يتساءل البعض: لماذا لم ترسل ناسا رجالاً آخرين للقمر منذ عام 1972 ؟.. الإجابة هي أن العملية كانت مكلفة وخطرة .. وقد أرسلت ناسا 12 رجلاً بالفعل ..وأثبتت أنها قهرت الاتحاد السوفييتي.

هذا يكفي .. خاصة أن تنفيذ نفس المهمات اليوم سوف يكون باهظًا جدًا نظرًا لحساب التضخم.

من ضمن ما يقال كذلك إن عشرة رواد ماتوا أثناء مشروع أبوللو بظروف غامضة لا تفسير لها في مركبات أو طائرات نفاثة. قالوا إنها حوادث متعمدة كي لا يتكلموا عن الفضيحة التي لمسوا أبعادها.
السؤال هنا هو: لماذا تفعل ناسا هذا؟ وما مصلحتها ؟.. يجيب المشككون أن الهدف بسيط و(شريف) جدًا. لكي تحصل على 30 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب.. ثم أن الحكومة الأمريكية كانت تعاني الويلات في فيتنام لذا أرادت أن تشغل الناس بموضوع آخر، ولو لاحظت التواريخ لوجدت أن تاريخ الخروج من فيتنام يتزامن مع توقف رحلات الهبوط على القمر بعد أبوللو 17 (هذا الكلام يوحي بأن بعض هؤلاء القوم من أصول عربية).. دعك من رغبة الحكومة الأمريكية في قهر السوفييت الذين كانوا يعملون بحماس مجنون للهدف ذاته، لهذا اخترعت هذا الهبوط لتدعي التفوق عليهم.

وبعد يبدو هذا الكلام مألوفًا بذات طريقة (صدام لم يقبض عليه بعد .. الصور زائفة وليس هذا موسم بلح النخيل .. أما لو ظهر مكبلاً بالأصفاد فليس هو .. هناك ممثلون يشبهونه .. لو اتضح أنه هو مائة في المائة فقد قبضوا عليه مخدرًا) . المهم ألا تصدق وخلاص. لكن الأمريكيين مهما فعلوا مجرد هواة لن يتفوقوا علينا في فن نحن سادته وفرسانه الذين لا يشق لهم غبار!

هي دي مصر - 3

لو كنت أعمل في واحدة من تلك المؤسسات الغامضة التي مهمتها قياس الرأي في الشارع المصري (ولا تنشر نتائجها أبدًا)، فإن أول شخص سأقصده هو سائق التاكسي. هذا هو رجل الشارع بالمعنى الحرفي للكلمة .. رجل شقيان من الطبقة الوسطى يقضي وقته في السماع والتحليل والاستنتاج ولا يقرأ أبدًا وعنده تلتقي كل الشائعات ومنه تنطلق.. فقط دعه يتأكد من أنك لا تعمل في أمن الدولة وأنك غلبان مثله، عندها سوف يتكلم بصراحة ووضوح.. مصر تتمثل بدقة في المقهى وفي التاكسي وتحت الجميزة العجوز في قريتك ..

سائق تاكسي من هؤلاء قال لي بوضوح تام إنه لو تمت انتخابات نزيهة فلسوف ينتخب أي شخص يتكلم باسم الإسلام .. سألته في دهشة: أي شخص ؟.. قال: أي شخص يا بيه ..سألته: يعني لو (أبو مصعب الزرقاوي) رشح نفسه ستنتخبه ؟.. طبعًا يا بيه .. على الأقل هو بيقول قال الله وقال الرسول ...

هذا الكلام تسمعه في أكثر من مجلس ... نفس الذين هللوا فرحًا لأحداث سبتمبر يقولون اليوم إن أبا مصعب هو التطبيق الصحيح للإسلام .. "الإسلام الحقيقي هو بتاع طالبان" أو "ربنا ينصرك يا بن لادن !" .. فتوشك أنت على الجنون .. بعد كل هذا وكل ما صرنا إليه هناك من يصر على الرأي ذاته ؟

لقد تساءلت بعد أحداث سبتمبر عن شرعية قتل آمنين كل ذنبهم أن ذهبوا لعملهم صباحًا، فكان المهللون يضحكون بوجوه مشرقة مستبشرة ويقولون إن الطائرات ستنهمر على أوروبا قريبًا بإذن الله ... ما حدث هو أن الطائرات انهمرت لكن على العالم الإسلامي، واليوم تسعى امريكا جاهدة لأن تثبت أنها استحقت أحداث سبتمبر بأثر رجعي !.. يعني لو سقط البرجان اليوم لكان هذا مبررًا .. أما وقتها فلم يكن هناك مبرر واضح!

اليوم تجد أن رجل الشارع – من قابلتهم على الأقل فأنا لم أجر مسحًا ميدانيًا - يعتقد أن مذابح العراق عمل إسلامي صميم .. فمن سينتخبه هذا الرجل لو تمت انتخابات حرة ؟

الوجهة الأخرى من رأي رجل الشارع تحكيها القصة التالية: في الثمانينات كانت هناك انتخابات صاخبة بالغة الأهمية في مجلس الشعب .. وكان والدي يجلس في إحدى الوحدات الصحية مع كاتب الوحدة العجوز الطيب الذي يذكرك بصور (بابا نويل).. سأله عمن ينوي انتخابه، فقال في حكمة: مش حيفوز إلا الحكومة يا بيه .. يعني أنا يبقى القلم في أيدي وأكتب نفسي تعيس ؟.. لا والله .. لازم اكتب نفسي سعيد ...

تأملت عبارته طويلاً وفكرت .. هذه هي الحكمة التي اختزنها المصري عبر قرون وقطرها وركزها .. هذا الرجل لم يقرأ كتابًا واحدًا في حياته لكنه آمن كرجل الشارع المصري أن الحكومة ستفوز ستفوز.. والفرعون الإله باق للأبد .. إذن فلنعد انتخابه .. و(إن جالك الغصب إعمله بجميله)...

يقولون إن قبائل البوشمان تملك حاسة التنبؤ وحاسة قراءة الأفكار، بينما الحضارة تنسف هاتين الحاستين نسفًا .. ويبدو أن القياس هنا صحيح أيضًا .. وأنا لا أتكلم عن الذكاء .. أتكلم عن غريزة فطرية تشعر المصري العادي بما ستتجه إليه الأمور .. وهي لا تخطئ أبدًا ..

إذن لو انتخب رجل الشارع بحرية فاختياره لن يخرج عن اثنين: النظام الحالي أو (أبو مصعب الزرقاوي).. والمشكلة أن كلا الخيارين لن يسمحا له بانتخاب شخص آخر .. هذه هي الحقيقة ... لقد تغير المواطن المصري وصار أميل للتطرف والعنف بعد ثلاثين عامًا من غسيل المخ .. لن تجد الفطرة الصادقة التي استلهمت طمي النيل وأمجاد الفراعنة تتكلم، بل ستجد خليطًا غريبًا من الضغوط الاقتصادية وشهوة المصالح وكلام مشايخ التكفير ..

في أغلب مواقع الإنترنت التي تجري استفتاءات لرئيس جمهورية جديد، فاز برئاسة الجمهورية إما (عمرو خالد) – وهو الأكثر نجاحًا - أو (القرضاوي) أو (أحمد زويل) وإحدى صحف المعارضة الناضجة سياسيًا رشحت (هيكل) !.. هذا عدم فهم واضح لعمل رئيس الجمهورية .. كل هذه شخصيات محترمة في مجالها لكن ما تاريخها السياسي وما قدراتها القيادية ..؟...مثلما كنا في المدرسة الابتدائية ننتخب أبرع التلاميذ في الرسم كي يدير اللجنة الفنية وكان يثبت دومًا أنه عاجز تمامًا عن أداء مهمته .. حكى (محمد حسنين هيكل) عن حواره مع الخميني عندما سأله عن مدى قدرة الأئمة على الحكم وهم لا يلمون بمجريات العصر الاقتصادية والسياسية ، فكان رد الخميني هو: "عندكم في العالم العربي يحكم الضباط .. فماذا يعرفون عن مجريات العصر الاقتصادية والسياسية ؟.. على الأقل الفقيه يتحرك من منطلق ديني واضح" .. هذا منطق لا بأس به، لكنه يبرر ارتكاب الخطأ بخطأ آخر .. ويشبه قولك: أنا أسرق لأن الآخرين يسرقون ..

شاهدت منذ أعوام الفيلم البريطاني (كرومويل) فوجدت كلامًا كثيرًا عن المعارضة ومحاولة الملك لعمل انقلاب برلماني .. الخ .. فقلت في دهشة: هؤلاء الناس يمارسون الحياة البرلمانية منذ 300 سنة حتى بلغوا هذا النضج، واحتاج النضج إلى أن يروى بالدماء وينضج على نار الحروب، بينما في مصر تجربتنا البرلمانية لم تتجاوز مائة عام كلها قبل ثورة 1952.. هل تشعر بأن النغمة مألوفة. ؟. هل سمعت هذا الكلام من قبل ؟.. كلام كهذا قاله أحمد نظيف حول أن الشعب المصري لم ينضج بعد للديمقراطية .. وكلام الرئيس مبارك حول أن الديمقراطية سوف تأتي بالمتطرفين الدينيين .. هذا كلام يبدو مستفزًا لكن هل يخلو من حقيقة ؟.. يمكنك أن تهاجمني كما تشاء لكن قلها بصدق .. هل هو خطأ تمامًا ؟

هل معنى هذا أن الديمقراطية لا تناسب الشعب المصري ؟... فليقطع لساني قبل أن أقول هذا.. لكني فعلاً أشعر بحيرة بالغة .. لا أملك ذرة ثقة في حكمة الجماهير الخالدة التي أنا منها، فهي الجماهير التي جاءت للسلطة في الخارج بهتلر وموسوليني ليصبغا الكرة الأرضية باللون الأحمر، وهي التي أعادت انتخاب الأحمق بوش برغم إجماعهم على أنه الأسوأ وأن أمريكا معه تنهار بسرعة غير مسبوقة ..

إذن ما الحل ؟.. لابد من ديمقراطية .. هذا هو صمام الأمان الوحيد لهذا المجتمع، لكنها سلاح خطر مع جماهير يرى معظمها أن الزرقاوي هو المسلم الوحيد صحيح الإيمان في هذا العصر، ومعنى مجيء شخص كهذا هو أن زمن الاختيار قد انتهى لأنه بالبداهة يرى أنه الأصلح وأن من يعترض عليه كافر .. إذن أنا أناقض نفسي وعبارتي تلتهم بعضها كتلك العبارات الثعبانية الكريتانية الشهيرة ..

أعتقد أن المخرج الوحيد من هذه المتاهة يكمن في الحصول على عقد اجتماعي صحيح يسمح للجماهير بمراجعة خياراتها من وقت لآخر .. عقد يجتمع عليه مفكرون من وزن جلال أمين وهيكل وهويدي وسواهم .. عقد لا يمكن خرقه أو نقضه ويجب التأكد من ذلك ..

وسوف تحتاج التجربة الديمقراطية إلى مائة عام من الخطأ والمران حتى تنضج، لكن يجب أن تستمر فلا يقصف عمرها حاكم جديد ونضطر أن نبدأ من جديد .. وهي لعنة العالم العربي الأبدية: البدء من جديد بلا أي تراكم للخبرات.
تمتاز قناة (آرت سينما) بمزية مهمة هي أنها تعيد الفيلم 363746 مرة تقريبًا، حتى أن ابنتي مريم ذات سبع السنوات صارت تحفظ بالحرف الحوار الصيني الذي يقال في فيلم (فول الصين العظيم)، لهذا يقوم سارقو الكابل – الذين لا أتعامل معهم والحمدلله - بتقسيم الوقت بينها وقناة ديسكافري. وهذا يتيح لك أن تشرح الفيلم ألف مرة تقريبًا وبالتدريج يصير رأيك راسخًا فيه.

مثلاً كلما شاهدت فيلم (اللمبي) ازددت إعجابًا بالشخصية (لا القصة).. و .. تذكرت كلمات د. وليد سيف الرائعة (آفاق السينما – 29) إذ قال: "اللمبي موجود فعلاً يا سادة ... إنكم ترونه لكن تشيحون بوجوهكم كي لا تروه .. أنتم تغلقون زجاج نوافذ سياراتكم عندما يقبل نحوكم ليبيع الفل .. تتركون خدمكم يتعاملون معه عندما يعرض بضاعته في حقيبة يجول بها في عز الحر.. اللمبي في كل مكان .. يمكن رسم خريطة وجوده على العاصمة لنجد أنه يمثل نسبة كبرى من شباب العشوائيات. اللمبي يلقي بعقب سيجارته في وجوهكم ساخرًا من مشاريعكم العملاقة وفنونكم التي لا يفهمها ......

مشكلة اللمبي انه لم يكذب بما يكفي .. ولم يكن مبتذلاً بما يكفي. لا ينكر أحد أن أفلام الموجة الجديدة لا تلجأ لما عرفناه من قبل من عري فاضح وقبلات ساخنة محشورة وحوار مليء بالتلميحات الجنسية. إن اللمبيين قادمون شئنا أم أبينا". هذه الكلمات تفهمها أكثر كلما رأيت فيلم اللمبي أو اللي بالي بالك.

نفس الدراسة المدققة تكشف لك أن رأيك في فيلم عادل أمام (التجربة الدانمركية) لا يتغير .. هذا فيلم لا يخرج عن نكتة جنسية بالغة الطول، ومحوره هو أن الشعب المصري عدم المؤاخذة تعبان ويمكن أن يفقد عقله لرؤية فتاة شبه عارية شعرها أصفر. هذا فيلم تم بناؤه بالكامل فوق جسد فتاة تروق لصانعيه فعملوا لها فيلمًا، مثلما صنع عباس كامل فيلم دستة مناديل للتعبير عن إعجابه بمشية ممثلة إيطالية اسمها سيلفانا.

أين الخيط الدرامي ؟... أربع فتوات يضربون خلق الله ثم يصير أبوهم وزيرًا .. وفجأة يكتشف الأب – بلا أي إنذار سابق – أن ابنه الفتوة الذي يضرب الناس صحفي معارض يهاجمه باسم مستعار، فقط لينسى الفيلم هذا الخيط ويتفرغ لمهمة الانبهار بالممثلة الشقراء، وفكرة أنها تدرس الجنس للشباب. والفيلم يتظاهر بأنه سياسي خطير (تخيل دخول راقصة لمجلس الوزراء أو عرض فيلم بورنو فيه) أو ارتداء وزير لثياب مطربي الراب، أو ضابط الشرطة الذي يولول كالكلاب: حاحا حاحا .. أو ابن الوزير الذي يسجن كل قسم الشرطة بمن فيه من ضباط يؤدون عملهم، وهي إهانات تمر مر الكرام على وزارة الداخلية لأن صاحبها هو عادل إمام. دعك من مظاهرات الشعب المصري خارج المكتبة صائحين: عاوزين نقرا .. لمجرد أن الشقراء تقف على سلم المكتبة .. ومظاهرات الأمن المركزي التي تفرق المتظاهرين الذين فقدوا عقلهم لرؤية فتاة بالمايوه.

دعني أسألك بصراحة: أين استجوابات مجلس الشعب التي تلقاها فيلم اللمبي وأين الغضبات العنترية ؟.. لماذا لم يتكلم أحد عن تشويه صورة الشعب المصري في الخارج كما هي العادة ؟.. هذه المرة التهمة ثابتة حينما تظهر المصريين مجموعة من البلهاء الذين يريدون دخول المكتبة لرؤية ساقي امرأة .. صحيفة شهيرة مستقلة كتبت تهاجم الفيلم ثلاثة أسابيع ثم تفرغت للكتابة عن الزعيم وكيف ان (الدهن في العتاقي) وكيف أن هنيدي وأمثاله فقاقيع طفت على سطح الفن المصري وسرعان ما تنفجر .. فجأة صار هذا أهم فيلم في التاريخ وذروة الكوميديا التي جاءت لتوقف كل مدع ناقص الموهبة عند حده..

طبعًا عادل إمام هو عادل إمام .. هناك لحظات في الفيلم تجعلك تضحك حتى تنقطع أنفاسك .. لكنك تضحك بسبب موهبة عادل إمام المخيفة .. لا أكثر ولا أقل .. وهنا تجد علامة الاستفهام من جديد: عادل إمام ويوسف شاهين تحولا إلى تابو وقدس الأقداس .. لا يمكن مناقشتهما مهما فعلا ..
اللمبي أبسط من هذا ولم يدع شيئًا .. مجرد ولد غلبان لا يريد سوى فرصة للحياة (ماشي يا بني آدمين).. مطواته في جيبه لكنه لم يفتحها إلا مرة واحدة ليضمن وجود معزين في صوان والد صديقه .. ولا تجد في الفيلمين أي أثر للجنس ولا لفظة واحدة مشينة .. فقط صُنّاعه ليسوا بقوة عادل إمام الذي كلما جاءت سيرته تذكرت وجوهًا أخرى لا تخلو منها صفحات الجرائد والمجلات .. ربما كنت مخطئًا لكني أشعر أنه مرادف لكلمة (حكومة) مثلما شعر الناس تجاه محمد ثروت يومًا ما.

عزيزي عادل إمام .. نحن نحبك فعلاً فصدقنا .. الفيلم رديء جدًا ولا يحوي واحدًا في المائة من الفن الراقي الذي صنعته مع وحيد حامد وشريف عرفة. هذا هو ما أستطيع قوله بعد المشاهدة الألف.

هي دي مصر (2)

أما انتشار الكمبيوتر في مصر فقد ولد لدى الشباب محموعة عجيبة من مصطلحات التكنو آراب.. مثلاًَ يقول لك الفتى في حماس إنه حيصطّب البرنامج .. وإن التصطيب خلص .. تستغرق نصف ساعة لتفهم أنه يتكلم عن Setup أي تنصيب البرنامج .. وقد صارحني مهندس الكمبيوتر من أنه يخشى أن الهارد بتاعي حيبيد (بتشديد الياء الأخيرة) فظللت قلقًا لأن الهارد حيبيد، ثم عرفت أنه يريد قول إن قرصي الصلب قد يمتلأ بالقطاعات التالفة .. هكذا أثريت العربية بفعل جديد هو (يبيد) بتشديد الياء بمعنى (يصير تالفًا) وهو مشتق طبعًا من Bad الإنجليزية ..

قال لي مهندس اتصالات إنني لا أستطيع عمل (داونلوت) لأن عندي (ترواجان)... فهمت فيما بعد أنني لا أستطيع عمل تحميل Download عبر الشبكة لأن عندي فيروس من نوع حصان طروادة Trojan.. لكنه مصر على نطق اللفظتين بالطريقة الخطأ..

يأتي رمضان فينهمك الشباب في فرمتة الهاردات .. أي انهم يقومون بعمل تهيئة Format للأقراص الصلبة لمسح ما عليها من أطنان الصور العارية .. ثم يأتي يوم 20 رمضان فينهمكون في البحث عمن لديه محموعة من تلك الصور لإنقاذ الموقف قبل العيد..

أما عن المحادثات عبر الإنترنت وهي بالوعة الوقت التي تنمو بنمو البطالة وبنفس المعدلات، فهي نشاط بشري لعين يقضي بأن تجلس أمام الشاشة تحدث أشخاصًا لا تعرف عنهم أي شيء سوى ما يقولون عن أنفسهم، وغالبًا ما تستعمل كوسيلة للتنفيس الجنسي من منطق أنه لا أحد يعرفك على الشبكة، وإللي يعرف خالي يقول له .. هكذا تخرج أكثر الدوافع كمونًا وكبتًا .. ولهذا نسمع دائمًا عن قصة الحب المثلي التي تنشأ بين فتاتين ثم يتضح أنهما فتيان يضحك كل منهما على الآخر .. هذه المحادثات أوجدت لغة جديدة خاصة بها هي كتابة العامية بنفس الحروف اللاتينية بحيث يصير النص مستحيل القراءة، وتجد كلمات عجيبة على غرار:
Salamo 3alaikom و Besara7a لاحظ أن رقم 3 يدل على حرف العين، ورقم 7 يدل على الحاء، ورقم 2 هو الهمزة ..
لا أفهم السبب .. لماذا لا نستعمل الإنجليزية كما هي وبشكل دقيق واضح، أو نستعمل العربية الجميلة المحكمة ؟ .. لماذا لا نقول (تنصيب البرنامج) أو Program setup بدلاً من تلك اللغة الهجينة التي ليس لها أب شرعي ؟ .. اللغة التي لم تجعلنا عربًا ولم تجعلنا خواجات..
المشكلة في مصر عامة هي أن الناس لا تكون لكنها تعرف كيف تبدو .. أي مسئول يرى ازدحام مقاهي السايبر وعدد ساعات الإنترنت سوف يقول في فخر إن التكنولوجيا غزت مصر.. السؤال هنا هو ماذا يصنعون بهذه التكنولوجيا ؟... أعتقد انك ستجد أن 5% فقط يستعملون الإنترنت للحصول على معلومات والباقي يستخدم في تحميل الأفلام والصور إياها والشات .. وهناك من يستخدمون الإنترنت مثل المحولجي الذي يتلقى أية رسالة فيرسلها لعشرين واحدًا قبل أن يتبين ما هي ..

قديمًا انتشرت تلك الورقة التي تحكي عن وصية حلم بها خادم مسجد الرسول (ص) وقرر أن يوزعها على الناس، فمن لم ينسخ تلك الورقة عشرين مرة ويوزعها على معارفه حدث له كذا وكذا .. علماء الدين قالوا إنه موضوع لا أساس له من الصحة ودعابة عملية قاسية جدًا. اليوم يستخدم شبابنا الكمبيوتر لعمل الشيء ذاته .. تصلك رسالة بالبريد الالكتروني تخبرك أن وقعتك سودا بإذن الله لو لم ترسلها لثلاثين واحدًا أو تجرأت ومسحتها. هكذا تستخدم التكنولوجيا في خدمة الخرافة التي ليس لها أساس ديني.

هذه من استخدامات الإنترنت المصرية العبقرية كما ترى .. والحديث يطول على كل حال، لهذا نكتفي بهذا القدر اليوم قبل أن يهنج – بتشديد النون - جهاز الكمبيوتر مني !.