بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Monday, February 13, 2006

"هذا آخر حوار قرأته للأستاذ بلال فضل ...دققوا معي في أفكاره

أنا اتولدت في منشية البكري.. وأبويا وأمي كانوا بيدرسوا في جامعة القاهرة، وبعدين انتقلت للإسكندرية وعشت هناك في بيت العيلة.. بيت كبير.. وأنا مدين للإسكندرية بكل شيء.. بالخيال.. وبالرؤية المتمردة.. وبالشقاوة.. يعني إذا كان فيّ كل الحاجات دي فالفضل للإسكندرية.. لأن البحر بيديك أفق واسع، وبعدين الأحياء الشعبية اللي احنا كنا فيها أحياء ملتبسة.. اللي هي أحياء ماحدش يتصورها.. يعني "كرموز" و"جبل نعسة" والشوارع اللي فيها ناس عاديين على تجار مخدرات على بلطجية.. يعني العالم ده اللي أنا لما جيت أنقله للسينما عمل مشاكل عند الناس لأنهم مش متصورين وجوده.. لكن أنا طول الوقت عارف إنه موجود؛ عشان كده بينجح لأنه بيسمّع مع اللي عارفينه.."

"أنا والدي يمني.. ومولود في مصر وعايش في مصر طول الوقت.. وكان عندي مشاكل في حكاية الجنسية زي آلاف غيري، ولما اتحلت الحكاية واتحلت المشكلة خلاص أخدت الجنسية المصرية، بس طبعا ضاعت حاجات في الطريق زي مثلا إن أنا كنت الأول على دفعتي بس طبعا ماكانش لي تعيين فاتعين الرابع بعدي.. بس أنا مابقيتش زعلان على ده، ولا أيامها أساسا.. وفي الصحافة.. ماتعينتش في الصحافة.. يعني أنا لما كنت باشتغل مدير تحرير في "القاهرة" كنت باشتغل باتفاق مع "صلاح عيسى" مافيهوش أي ورق أو أي حاجة.. بس لما سبت الصحافة الحمد لله واتجهت للسينما.. السينما مهنة مفتوحة أكتر فمافرقش ده فيها خالص.. لغاية لما أخدت الجنسية وأخدت عضوية النقابة وبقت الحكاية خلاص يعني.."

هي المسألة مسألة تعود.. أنا لما بدأت الصحافة، كان أول منصب لي هو سكرتير تحرير وسكرتير التحرير ده هو اللي بيشيل الجرنان كله على أكتافه، وفي نفس الوقت ماسك الدسك، وفي نفس الوقت باعمل صفحة وباشتغل وباكتب موضوعات.. الرتم ده هو اللي عودني سرعة الإيقاع في كل حاجة حتى في شغل السينما.. فكرة إن إنت تبقى قادر تقسم دماغك تراكات.. كل مسار يفكر بشكل معين ويفكر في وقت معين.. يتزنق يعني ويقدر ينتج في زمن قليل.. فدي من الحاجات اللي أنا مدين بيها لمهنة سكرتير التحرير.. مهنة سكرتير التحرير هي ازاي تحط الجرنان 18 صفحة في دماغك.. التسليم إمتى؟ إيه الموضوعات؟ إيه الاختصارات؟.. يعني كل هذه التفاصيل لما تيجي ليك في بداية حياتك -كنت ساعتها عندي عشرين سنة- غصب عنك لازم تتعلم إن خلاص دماغك هتشتغل بالطريقة دي.. فأفضل شغل عندك ييجي في وقت قليل.. بس طبعا ده بييجي على حساب حياتك الشخصية وحياتك العائلية.. يعني تكاد تكون صلاتي مقطوعة بكل عيلتي وعيلة زوجتي لأن غصب عني.. ماقدرش في ظل التزام الصفحة وعمود المصري اليوم ومقال شهري في الشباب، ده غير شغل السينما، ده غير إنك فوق ده كله عشان تقدر تكتب كل ده لازم تقرا قده عشرين مرة جرايد وكتب وروايات وتتفرج على أفلام.. فتقريبا الواحد وقته كله شغل.. بس أنا -الحمد لله- بقالي فترة في حياتي ماباقعدش على قهاوي، حتى كل علاقاتي بأصدقائي كلها انقطعت تقريبا.. للأسف يعني.. ماعادش فيه أي صحبيات خالص..

كان فيه فترة طويلة قوي كان فيها صعلكة وفيها قهاوي وفيها تشرد فماعادش الموضوع ده بيشبع.. يعني بالأمانة مابقتش بالاقي إشباع.. ماعادش فيه جديد تقوله.. خلاص اتقال كل الكلام.. فكرة إنك تقعد مع ناس تقعد تنتقد الآخرين ماعادتش بتشغلني.. هي شغلت فترة طويلة من الوقت عندي.. خلاص إنت دلوقت بتشتغل..

الصحافة في الآخر إنت بتعمل إنتاج.. إنما الهزار اللي على القهوة وفكرة إن احنا نقعد نقنع بعض بحاجات.. طيب ليه؟ طيب ما إنت تقعد مع نفسك وتفكر فيها.. وبعدين أنا عودت نفسي على حاجة.. إن أنا -لو تلاحظ يعني- من فترة طويلة، من ساعة ما بدأت أكتب في الدستور، ما بانتقدش مبدع أبدا مهما كانت رؤيته.. ولا أنتقد واحد صاحب مجهود.. أنا ممكن أنتقد واحد صاحب سلطة.. منافق ولا موالس ولا واحد بيكتب كلام فارغ.. بقيت أحاول أدرب القلم على الحكاية دي، ولما هاحس إن فيه تشبع حصل عندي هاتوقف ومش هارضي القارئ في ده..

يعني أنا مثلا وقفت أوسكار الموالسة بقالي فترة طويلة لأن مابقاش عندي جديد أقوله.. خلاص.. يعني دايما ماتجريش ورا اللي القارئ متوقعه منك.. يعني دي نقطة باحس إني لما باعملها في الصحافة بالذات.. سيبك من السينما.. السينما دي موضوع تاني، وده اسمه "شو بيزنس".. صناعة.. فلازم تشتغل على اللي عاوزه الزبون لأنها صناعة.. إنما الصحافة رسالة.. فيه فرق كبير بينهم.. الرسالة والصناعة.. السينما جواها رسالة، لكن هي ليها أضلاع كتير ولازم ترضي الأضلاع دي.. وبعدين اللي بيتكتب في الصحافة وخاصة لكاتب ساخر.. لازم تبقى طول الوقت بتعيد النظر في حاجات.. يعني مش إن إنت تبقى شغال طول الوقت على "إسطمبه".. يعني أنا مثلا جالي تفكير بعد انتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان أن أوقف الكتابة في السياسة.. مبدئيا فكرت إني أوقف الصفحة أساسا.. لأني حسيت إنه خلاص هيتقال إيه؟ هنقعد تاني ست سنين نقول "حسني مبارك" و"جمال مبارك".. ماباحبش أحس إني بالعب دور.. خلاص احنا جينا في فترة تاريخية معينة ولعبنا دور، والدور ده هيتسجل لينا.. رفعنا سقف الحريات.. مش هاكلمك عن أسطورة تجربة "إبراهيم عيسى".. طبعا تجربة عظيمة هو في حد ذاته رائد فيها.. لكن هاتكلم عن الحتة بتاعتي أنا و"عمرو سليم".. في الصفحة دي رفعت سقف السخرية لحد غير مسبوق.. فخلاص بقى لازم إنت ماتقعدش اللي تعيده تزيده، وإلا هتبقى زي بتوع الحكومة..

فعلا أنا جربت أن أجس نبض بعض الناس فلقيت ردود أفعال غير عادية.. طبعا شيء مخجل إن الواحد يقول الكلام ده.. إنك بقيت جزء من حياة الناس.. إن يقول لك إنت بتضحكني أو بتسعدني أو باشوف منك كلام مختلف فبتحاول إن إنت تيجي على نفسك بس تغير الأشكال فبقيت أهتم بقالي فترة بفكرة إنها تكون صفحة فيها قصص أكتر.. فيها حكايات.. فيها وقائع.. مابتقولش آراء بقدر ما بتقول وقائع وحكايات.. ناس تحكي.. شخصية "أم ميمي" مثلا.. شخصية "عبد الله سيكا".. يعني الناس تقعد تقول ده حقيقي ولاّ مش حقيقي؟ ده موجود ولاّ مش موجود؟ ده الهدف اللي عايز أعمله، وفي الفترة الجاية هاعمل تطوير كمان أكتر..

أنا عندي خيارين بافكر فيهم، وهم إما إني في السنة الأولى أوقف قلمين وأعمل صيغة مختلفة خالص.. أعمل صيغة فيها بنائية شوية.. لأن قلمين دي جابت جمهور -بفضل ربنا يعني- كبير جدا من الناس العاديين اللي هم 16، و17، و18 سنة، وبقيت إنت بتشتغل على أفكار.. فكرة إعادة النظر في كل شيء.. في كل المسلمات وفي كل الكلام اللي بيتقال في الحياة.. فبقى عندك ناس ممكن تتلقى ده.. إنت عايز بقى تبني عليه.. يا إما كده يا إما إني هاستمر في نفس السكة.. إنها تبقى في منطقة روايات وحكايات.. اللي هي زي ما أنا سميتها "السكان الأصليين لمصر".. كل واحد يقول تجربته وشهادته.. وإذا وصلت لمرحلة مافيهاش جديد هاوقفها طبعا مش عايزة كلام..

أولا كنت لسه باسأل "إبراهيم عيسى" عن التوزيع فقال لي إنه زاد بشكل خرافي جدا.. رغم إن الناس كلها كانت بتقول: بعد الانتخابات خلاص.. على العكس.. الدستور دلوقتي رقم واحد.. مش بس في الأقاليم.. لا في القاهرة كمان.. لأنك إنت راهنت على فكرة إن إنت بتشاغب الناس، فالناس يفكروا معاك.. أنا مثلا بقى عندي مشكلة في حجم الإيميلات اللي بتيجي لي.. بقى بيعمل لي مشكلة شخصية في الحياة.. إن أنا ألزمت نفسي بفكرة إن أنا لازم أرد على كل الناس، فلازم أرد على كل حد.. ولازم تتعامل مع آراء الناس المختلفة.. وتتعامل مع إن الناس في لحظة ممكن يسقط منهم الحد ما بين إنهم عايزينك تعمل كذا، وبين إنك عايزهم يفكروا كذا.. ممكن يتخيلوا في لحظة إنك ممكن تعمل ليهم اللي هم عايزينه.. فلازم تدادي وتصبر وتتخانق.. يعني محتاجة صبر شوية.. فبتحرق وقت.. يعني هاضرب لك مثل: طول الوقت زمان كان بييجي لي 10 إيميلات في اليوم.. أنا النهارده الحمد لله بييجي لي من 40 لـ50 إيميل يوميا.. وبارد عليهم كلهم.. ألزمت نفسي بده.. مفيش حد ماباردش عليه.. رقم ضخم يقول لك إن بقى عندك قارئ عايز يتحاور معاك..

الصحافة هم كبير.. لأنها مهنة الكذب ومهنة تزييف الحقائق وتصفية الحسابات واللعب بالثلاث ورقات.. شفت الناس وهي بتبيع وتنهار وتسقط، شفت أساتذة كبار كنت فاكرهم حاجة ولما اشتغلت معاهم طلعوا حاجة تانية، أنا دلوقتي كاتب وباشتغل مع واحد أنا باحبه وله فضل عليّ وهو "إبراهيم عيسى".. الصفحة دي اللي خلّتني أكتب في المصري اليوم والشباب بضغط.. لكن لو اخترت هاختار السينما والأدب طبعا لأنهم عالمين هم الحياة بالنسبة لي مع احترامي الكامل للصحافة ولكل من فيها..

أنا دخلت الإخوان في المرحلة الإعدادية وحتى أولى ثانوي ثم تركتهم، لأني أراهم جماعة طاردة للتفكير.. الإسلام في رأيي لا يمكن تنظيمه.. الإسلام دين واسع وشامل.. فكرة إنك تعمل له جماعة هي فكرة أن تضع الريح في علبة، تنظيم الدين فيه خطورة، لأن المنظم له سيتصور أنه يملك الحقيقة.. غصب عنه حتى ولو كان وسطيا جدا في لحظة سيقول إنه يمثل الإسلام، فماينفعش.. لازم يكون الإسلام مفتوح لكل الناس..

الحرية لها قواعد، وفي نفس الوقت هي بالتدريج، وأغلب الذين ينادون بالحرية هم غير مؤمنين بها.. أنا باعتبر إني أصبحت -الحمد لله- مؤمن بالحرية بعد فترة من التدريب، ولهذا كتبت مرة أنه لحسن الحظ أنه لا يحكمنا بعض المثقفين، وإلا كانوا سحلونا في الشوراع، "مبارك" أرحم بينا منهم، فلا يوجد إيمان بالحرية لأننا نعيش في مجتمع قمعي كل واحد فينا يطلّع عين اللي تحتيه، ولذلك لابد أن نتدرب على الحوار والاختلاف، وأنه لا تتملق القارئ.. يضايقني جدا أن يتعامل معك القارئ على أساس إنك تعبر عن وجهة نظره، إنت بتاع الدستور يبقى لازم تعمل في السينما اللي بتكتبه في الدستور.. لأ أنا حر.. ولذلك فإنه من الصعب تصنيفي.. أنا أؤمن أن الإسلام يصلح كمنهج للحياة لكن بفهمي الخاص الذي يرى أن الإسلام يسمح بالبذاءة وموجود ده في كتب الأدب العربي اللي كتبها فقهاء كبار مثل "من غاب عنه المطرب" لـ"الثعالبي" ولن أقول لك "الأغاني" لـ"الأصفهاني" لأنه مش محسوب فقيه، و"ذم الهوى" لـ"أبي الفرج الجوزي"، وهو أشد الكتب تطرفا.. اقرأ "أخبار الظراف والمتماجنين" كله إباحة و"طوق الحمامة" والأمثلة كثيرة، فلي فهمي الخاص ولهذا لن يقبلني الشيوعي، ولا الإخواني، ولا حتى المتحرر سيقبلني لأني ضد مشاهد الجنس مثلا وأعتبرها تجارة بالغريزة، ولا المحافظ هيقبلني لأني مع حرية اللفظ، ولا أوافق أن أسكن وأسلم..

مطلقا.. خالص.. الوسط الفني محدود.. مش وسط كبير.. وعشان كده دخول الوسط يحتاج أولا إلى التوفيق.. أنا قعدت 7 سنين حتى نجحت في الدخول إليه.. أطرق الأبواب ولا مجيب.. سبع سنين تروح وترجع.. وهو ده طبيعة الوسط السينمائي حتى في هوليوود المعروفة بوجود ضوابط وقواعد.. هو وسط يحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب.. ولذلك فهو وسط من يلمع فيه سريعا ينطفئ فيه سريعا.. ولاحظ أن السينما عمل جماعي.. ولذلك أنا ماعنديش خالص أكاذيب من نوعية "لا أحد يغير لي جملة في السيناريو".. ساعات المؤلف يكون كاتب جملة عظيمة جدا إلا أن الممثل لا يستطيع أن ينطقها لا يجدها على لسانه.. فيتم تغييرها.. تبقى حمار لو إنت عملت مشكلة على ده.. واللي بيقول إن ده مش بيحصل كذاب.. سواء كان مؤلف كبير ولاّ صغير.

"الكاتب في مصر مالوش جماهيرية إلا بعد فترة طويلة، الجمهور التاني ده جمهور النجوم مش جمهور الموضوع اللي هم شايفين وعايشين الأحداث دي.. واللي بيعتقده النقاد إنه مفتعل أو متفبرك موجود فعلا، زي واحد بيعلق على فيلم "حاحا وتفاحة" في منتدى على النت وبيسأل: معقول يعني واحدة مصرية تتجوز صومالي؟ طيب يا سيدي أقول لك أنا إن خالتي متجوزة صومالي ومخلفة منه 14 عيل فعلا!، وفي نفس الفيلم جتني سيدة على باب السينما وقالت لي إنها اتصالحت مع أختها بعد ما شافت العلاقة بين الإخوات في الفيلم، بس.. أنا كده خلاص.. الرسالة وصلت لمن أريد.. تقول إنت بقى على الفيلم تافه أو غيره.. ده حقك".

"مفيش حد في الدنيا بياخد كل حاجة.. لازم تبقى واقعي.. أنا باخد إيرادات وباخد مكانة في سوق السينما سواء مادية أو معنوية.. فمش كمان هاخد احترام النقاد.. أنا في الأول كنت بازعل وأتضايق من ده خاصة إني باشوف سلوكيات منافقة كتيرة.. يعني مثلا يقول لك فيه في أفلامي ألفاظ بذيئة وفي أفلام "عادل إمام" يشوفوا نفس الألفاظ يقول لك ده حاجة جميلة.. دمك يتحرق لكن مع الوقت خلاص.. بل بالعكس بدأت أوصل إلى حقيقة.. وهي إنك كلما كنت ناجح في السينما كلما تتهاجم أكتر في الصحافة فلا تشغل بالك.. يجب أن أركز في الشغل وأنا أدرك أن الحكم آخر العمر.. الملتفت لا يصل.. عشان كده أنا باوثق الرسائل اللي بتوصلني. لما يبعت لي أستاذ في الجامعة ويقول لي أنا شفت فيلمك مع أولادي واتبسطت.. يبقى كويس جدا.. فيه كده وكده يعني.. أنا مش ضد خالص إنك تهاجم فيلم أو تقطعه حتى في النقد.. لكن فيه نقطتين.. الأولى إجباري وهي إنك مالكش دعوة بالجمهور.. ماتغلطش في الجمهور عشان لو غلطت فيه أنا هاشتمك.. لأنك لو غلطت فيه تبقى كداب ومنافق وبتتدعي حرية الرأي.. النقطة التانية الاختياري إنك لو ارتضيت أن تكون ناقدا، إنك تعرف أن الناقد قاضٍ وعليك أن تكون على إحاطة بظروف صناعة السينما.. لازم تروح تشوف الأفلام بتتصور ازاي.. السينما المصرية هي الوحيدة في العالم اللي بيتصور فيها 3 مشاهد في اليوم.. السينما في العالم كله تصور ما بين مشهد ومشهد ونصف.. فعشان كده لازم تطلع السينما كده..".

مع احترامي الكامل لـ"سامي السلاموني" اللي أنا من عشاقه كأسلوب كتابة، إلا أن "السلاموني" هاجم عددا كبيرا من الأفلام، وبعد سنوات أعيد الاعتبار لعدد منها، ومنها الأفلام التي صنعت أسطورة "عادل إمام" "رمضان فوق البركان" و"شعبان تحت الصفر" وغيرها، في الآخر هو قال رأيه، لكن قانون السينما مختلف، ودائما ما أذكر موضوع "محمد تيمور".. في عصره كان له سطوة كبيرة جدا، وكان "نجيب الريحاني" فنانا له شعبية كبيرة بين الناس، فما كان من "تيمور" إلا أن هاجم "الريحاني" والمؤلف "بديع خيري" بقسوة شديدة ووصف المرحلة دي بأنها مسيئة للسينما والمسرح، وقال بأن هذا ليس تأليفا إلا إذا كان التأليف في عرفنا أن تقوم جماعة من المؤلفين بجمع نكات السوقة والمواقف المخجلة ووضعها جنبا إلى جنب فيمكن أن نسمي هذا تأليفا.. هو نفس الكلام الذي يقال حاليا".

من حسن الحظ إني جلست فترة طويلة في الأرشيف.. فعشان كده قرأت كتير في فترة التكوين الفني في مصر.. ولما الأمورالمادية تحسنت معي بدأت أشتري مجلدات المجلات القديمة زي الكواكب والاثنين والدنيا.. والكلام هو هواه.. اللي بنعيده نزيده.. عشان كده مش هنتقدم... واحد كاتب مقال عن فيلم "حاحا وتفاحة" كاتب فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من شارك في هذا الفيلم وفي الجهة التي سمحت بعرضه وفي كل من شاهده) -يضحك-.. ده لا نقد ولابتاع.. ده عته.. أنا رجل أحب الصحافة وأكتب فيها لكن أعلم أنه يمكن الاستفادة منها في التأريخ الاجتماعي والسياسي ولكنها ليست معيارا للحكم على التاريخ الفني.. وأدلل لك على ده بـ"نجيب الريحاني" و"إسماعيل ياسين" و"شكوكو" و"فؤاد المهندس" اللي اتهاجموا كتير جدا".

أهم حاجة اسمها شباك التذاكر.. لأن هو اللي بيفتح البيت وبيصرف عليّ .. ده صندوق الانتخابات النزيه.. رغم ده أنا باحاول وهاحاول أعمل أفلام ممكن ماترضيش شباك التذاكر.. لكن ماحصلش نصيب إنها طلعت للنور .. بس يوم ما تتعمل وتفشل أنا مش هازعل لأني عارف إننا في وادي والناس وادي دي حقيقة فعلا.. بس مش هاسلم نفسي للاكتئاب.. ورغم إن أنا مش باحب أزايد.. بس أنا فلوسي رايحة على الكتب وأدعي أني أقرأ أكتر من ناس كتير يدعون الثقافة.. لكن فيه فرق ما بين إني أحب أٌقرأ لمفكرين وإني لما أكتب للسينما أعرف أنا هاقدم ده لمين؟، بداية التغيير حاولت أعملها شوية في "أبو علي" وهتبدأ بشكل حقيقي في فيلمي الجديد "واحد من الناس"مع "كريم عبد العزيز" اللي مالوش علاقة بقواعد السوق.. قصة حقيقة موجعة ومريرة جدا.. لأني خلاص حققت الأمان النسبي في السوق لأنه مفيش أمان مطلق.. بس بقى فيه ثقة.. يعني يوم ما أروح لمنتج وأقول ما تيجي نجرب حاجة تانية ما احنا جربنا الأول وكسبنا.. غير ما تيجي تقول له "إنكم تسحقون الشارع بأفلامكم التافهة فهيقول لك طيب روح شوف لك حد غيري ينتج لك".. السينما المصرية مش هتتغير إلا بده.. ومأساة الصحافة المصرية حاليا أنها شابة في كل شيء عجوزة في الفن.. "هنيدي" و"سعد" و"السقا" دول من جيلكم اقفوا جنبهم عشان يتطوروا.. مش ضدهم.. بس تلاقي "طارق الشناوي" يقول لك إن "أفضل" مخرج في 2005 هو "هاني خليفة" عشان ما اشتغلش!- يضحك- يبقى خلاص اقفلوا السينما بقى.. وطبعا "هاني خليفة" مش هيفرح بده.. حياة المخرج والمؤلف والفنان بعيد عن البلاتوهات وجلسات السيناريو لا قيمة لها مطلقا.. لا ألوم أحد.. لكن أنا باخد جايزتي من قاعة العرض، لما أقعد جنب الناس في قاعة العرض وأسمعهم بيضحكوا ساعة ونصف دون انقطاع.. يبقى مش عاوز حاجة أكتر من كده".

"المثقفين عاوزين الشعب يثور وهم بيعملوا صفقات، هتقول لي أنا بالعب دور تخدير أو إلهاء، هاقول لك أنا بالعب دور بشري.. لأن المجتمعات لا تنهض إلا بالطمأنينة والبهجة والفرحة.. لكن عاوز الناس تعمل ثورة بالفن.. ماحصلش، هات لي تجربة واحدة تثبت ده.. صناعة السينما يطلق عليها entertainment تسلية.. أنا هاخليك تتوجع وتتألم بس هتتفرج.. لو فرضنا إن الفن بيغير الواقع قول لي ليه المجتمع المصري ماتغيرش بعد "الهروب" و"البريء" و"قلب الليل"؟ اللي يطلب ده من الفن يحمله أكثر من طاقته، أنا مع أن الفن يعبر عن الناس لكن إنه يغير الواقع.. دي ماحصلتش.. وأنا غير مقتنع بإن الفن يطهر النفس لأن الذي يفعل هذا مجموعة أشياء.. وخلال الأفلام اللي فاتت أنا عبرت عن الناس بالضحك.. عاوز أعبر عنهم بقى بالبكاء وبالوجع.. المرحلة اللي جاية شكل مختلف في التعبير.. وطبعا شباك التذاكر في بالي.. السينما والصحافة اسمهم وسائل الاتصال الجماهيري mass media.. عشان كده المغني من غير جماهير.. مالوش لازمة يروح يغني في الحمام.. وفي هوليوود المقياس هو الإيراد.. ده مش اختراع.. ليه الصحفيين يتباهوا بأرقام التوزيع ويزعلوا لو تباهينا احنا بأرقام الإيرادات؟".

في السينما أنا باشتغل على إمتاع وإسعاد الناس، لأنه شئنا أم أبينا الشعب المصري شعب أمي وشعب الحياة طحنته، فالسينما وسيلة ترفيهه وتسليته الوحيدة، الأدب بيعمل شيء تاني يحقق أحلامك الشخصية.. عشان كده باركز على إني اللي أكتبه في "الدستور" يتجمع في كتب.. حتى فقرات "قلمين" تبقى تأريخ على العصر ده.. وكل فترة أقول لنفسي إني مش هاكمل.. ومش باتضايق لما حد يقول لي أنا بحبك في الصحافة ومش بحبك في السينما.. عادي المهم أنا عاوز إيه.. أنا أستعبط قوي فكرة إن الواحد يكون شاغل باله بالناس وبرأيهم فيه.. لأني مش جرسون المفروض إني ألف على الناس وآخد طلباتهم.. اللي يحبني في الصحافة بس باقول له شكرا، بس فيه ناس بتحبني في السينما وده مش استهانة دي واقعية شديدة جت بعد تجربة لأني الأول كنت أتخانق وأزعق لأني عاوز الناس كلها تقدرني.. لأني في "حرامية في كي جي 2"، شفت ردود أفعال باهرة زي مثلا "جلال أحمد أمين" يكتب دراسة عنه في الهلال شيء جامد جدا.. لكن الفيلمين التانيين "صايع بحر" و"الباشا تلميذ" اتهاجموا هجوم كاسح حصل لي صدمة.. مش متعود.
شوف.. فيلم زي الباشا تلميذ في رأيي نموذج للفيلم الجماهيري، لكن نهايته سيئة.. والسبب المنتج.. أنا كنت كاتب في النهاية 12 مشهدا تغير فيها الأبطال إلى الأفضل.. لكن المنتج قال لي بالنص "احنا هنعمل النهاية في مشهدين.. خلاص يا أخي ربنا رايد لهم الهداية!" فإنت هتعمل إيه.. هتلف على كل النقاد عشان تقول له اللي حصل..؟ نفس الكلام في "حاحا وتفاحة" أنا قلت للمنتج بلاش "مروى" والحاجات دي وهتكسب أكتر، بس مارضيش فعشان كده كتبت في الدستور وقلت في التليفزيون ماحدش يروح بأطفاله، لأن دي أمانة والمشكلة إن في مصر مافيش حاجة اسمها التصنيف العمري في السينما، لازم تقول للمشاهد إن هذا الفيلم يحتوي على ألفاظ حادة أو عنف لفظي"، وإن هذا الفيلم يحتوي على مشاهد بصحبة الوالدين، لازم ده يتعمل ومأساة الصحفيين إنهم طوال الوقت يتكلمون في المنطقة الغلط، لماذا لا يتبنون حملة زي دي، لأننا موضوعين في قالب ولا أحد يحب أن يقول فكرة جديدة. وبعد ما اكتشفت إن "حاحا وتفاحة" ناقص 20 % من السيناريو الأصلي، كان أمامي حل من اتنين إما أن أحذف اسمي من عليه وإما أن أرتضي بالنتيجة النهائية.. لما حسبتها لقيت الفيلم ماشي كويس وبيحقق إيرادات.. فعملت موازنة للأمور.. وسبت اسمي على الأفيش.. لابد أن يكون الواحد رجلا ويتحمل نتيجة أفعاله.. أنا رضيت إني أشتغل مع "محمد السبكي" خلاص ماعيطش.. أنا اشتغلت مع كتير من المنتجين وعرفت دماغ كل واحد فيهم وأفضلهم طبعا الشركة العربية التي لا تتدخل في نص السيناريو.. "أبو علي" زي ما انكتب زي ما اتنفذ.. وأنا دائما ما أضع درجات لأفلامي بعد تنفيذها.. "حرامية في كي جي تو" كان ممكن يكون أفضل بكتير لأنه فيلم لطيف وكان ممكن يكون مهم لو المخرجة اهتمت بالتركيز على مساحات التمثيل والدراما.

"ده رأي ماقدرش أصادر عليه، لكنه رأي غير دقيق لأن عندما يقول لي أحدهم هذا أقول له أنا شايف إني عملت أفلام حلوة زي "حرامية في كي جي تو" و"أبو علي" و"الباشا تلميذ" يقول لي "يا راجل هي الأفلام دي بتاعتك!"، وبعدين أنا عمري في السينما أربع سنين بس.. وأنا أتعمد أن يكون الفيلم فيه كلام صادم.. الإبداع لازم يكون فيه صدمة.. في فارق بين الصدمة والتغيير.. الصدمة تجعلك تتنبه للواقع اللي حواليك.. الفن لا يغير لكنه يعمل (هاي لايت).. بيقول لك فيه ناس كده.. وبيتكلموا كده.. واللي مش عايز مايروحش.. عشان كده أنا باتكلم على التصنيف.. لأن الحقيقة إن 80 % من الشعب المصري يعيش كما أحاول أن أظهر في الأفلام التي أكتبها بينما السينما التي يشاهدها الناس لا تقدم هذا، يبقى العيب في السينما ولا في الناس؟.. والصدمة أستعملها أيضا في الأدب.. وفي الصحافة.. ستجد كلاما يمكن أن تصفه بـ"الأبيح" في الدستور.. يعني أنا مش منافق.. أنا كده.. أنا أحب بذاءة "أحمد فؤاد نجم" و"بيرم التونسي" وباكتبها والذي لا يعجبه هذا يمكنه أن يقرأ وأن يشاهد لكاتب تاني".

لكن أنا رجل حياتي شديدة البساطة، أنا في فترة من الفترات نظرا لتحسن ظروفي المادية سكنت في المهندسين.. بس ماقدرتش.. لم أكن سعيدا.. فرجعت تاني حتى أسكن في شقتي القديمة في القصر العيني.. حياتي كده.. محيط صداقاتي هو ما أكتب عنه.. لأن هذه هي الحياة التي أعيش فيها.. فلا أشعر مطلقا بأن لي فضلا فيما حققته.. لأن النجاح المبكر يعمل حاجة من اتنين.. إما يسبب لك هوسا بما حققت، أو يعطيك إحساسا بأن النجاح شيء عادي.. لأنك عشته قبل كده.. أيام ما كنت سكرتير تحرير في الدستور الأولى وكنت مسئولا عن صفحة القراء كان يصلني 300 رسالة في الأسبوع الواحد.. منها رسائل يقول فيها أصحابها إني السبب في تغيير حياتهم.. فلابد وأن أكون عاقلا.. تدرك أن المشوار طويل.. ولازم تكسر وتذل نفسك لربنا طول الوقت.. وعشان كده أنا بحب أكون طول الوقت مشغول، ورغم كده أحترم أي كلمة تتكتب لي، فأنا أرد على كل إيميل يصلني من أي شخص، وحتى المعارك التي أدخل فيها مع الناس أرى أني لازم أرد لأني هذا معناه أني أحترم رأيه حتى ولو اختلفت معاه، هات لي حوار أو تصريح قلت فيه إني رجل عظيم وأفلام عظيمة.. دائما ما أتكلم بواقعية شديدة جدا.. طبعا أسعد عندما يكتبون عني في مجلة "جود نيوز سينما" أني رقم 14 في قائمة أهم 50 شخصية سينمائية في مصر العام الماضي.. إلا أنها سعادة لمدة ساعة فقط.. بعد هذه الساعة هناك مشكلة.. لأنك مطالب أن تحافظ على هذا.. وهذه أشياء لا يمكن أن أقول للناقد تعال وعشها معي لكنها تحدث بالفعل.. في هذا الوسط.. تكون حياتك الشخصية مدمرة.. لولا أن ربنا يرزقك بزوجة بنت حلال تتحملك ويكون لديها ما يشغلها في الحياة لكانت الأمور صعبة جدا.. أغلب كتاب السيناريو تكون حياتهم الشخصية إما سعيدة جدا وإما تعيسة جدا.. لأنك في فترة الكتابة تكون عايش مع 15 شخصية.. لازم تفكر في ده وفي ده.. وتبقى شايفهم ومعديين حواليك وبيتكلموا معاك.. طبيعي إن الناس تعرف إنك مش مركز.. طول الوقت بتفكر في موقف معين هتقوم بيه الشخصية الفلانية.. وده بيحصل في فيلم واحد فما بالك لو كنت بتشتغل في فيلمين".

الناس إحساس مش معايشة.. نجيب محفوظ لم يكن فقيرا لكنه أكثر من عبر عن الطبقة المتوسطة، زائد إن أنا عشت مع الناس دول بحب شديد.. ولم أكن ساخطا عليهم أو على الظروف.. مطلقا.. ولذلك أنا أحب أبطالي اللي هم الناس اللي عشت معاهم.. أحب خالتي فرنسا وأعشق صايع بحر.. لأني أشعر أنهم صادقين.. قل عن أفلامي ما شئت حبها أو اكرهها.. ماشي لكن لا يمكن لأحد أن يقول عنها إنها مسروقة.. لأن مصدرها مني أنا.. مصدرها الناس.. هاتطور في يوم من الأيام وهابقى أفضل -إن شاء الله- لو فضلت أنقد نفسي وأعطي الأمور حقها.. شوف "عادل إمام" بقاله 30 سنة على القمة منهم 25 سنة بيتشتم مش بينتقد، فأنا هاكون إيه جنبه؟ أنا عمري في السينما لسه لم يزد عن أربع أو خمس سنين، ولذلك فأنا أعطي لنفسي 15 سنة كمان لسه هاتشتم فيهم، لكن بعد كده أنا متأكد إن شاء الله إن كتير من أعمالي سيرد لها اعتبارها، زي ما أنا متأكد من إني شايفكم دلوقتي، لأنه والله العظيم لم أقصد بها سوى أن أكتبها بصدق وأن تثير لدى الناس ما تثيره لديه من انفعالات، ولهذا أنا متأكد إنها هتوصل للناس طال الوقت أم قصر".

يا أخي.. مفيش حاجة أفادتني في حياتي قد اللي عملوه في روز اليوسف، وسيكتب في التاريخ أني الكاتب الوحيد في تاريخ الصحافة المصرية اللي اتعمل له برواز يومي يهاجم فيه.. أجمل شيء في الدنيا إنك تجيب من الآخر.. الناس يقولوا عليك إنت من أصول وضيعة، فأنا فعلا من أصول وضيعة بمقياس الغنى والفقر، رغم إني على مستوى تاني لا أرى هذا، بس ماشي وماذا بعد؟ يقولوا إني خنت "مكرم محمد أحمد" لمجرد إني كتبت مقال ضده أو لأني اختلفت معاه.. يقولوا بيكره "إبراهيم عيسى" اللي هو نفسه يرد على الناس دول ويكتب مشاعر فياضة ممكن إنت لا تتوقع وجودها في ظل علاقتك الشخصية التي تجمعك بهذا الرجل، وده مكسب.. بص في الآخر.. أنا مش درويش ولا واعظ وأنا رجل مليء بالأخطاء.. لكننا ننسى "أن مراد النفوس أسمى من أن نتعادى فيه وأن نتفانى".. في الآخر احنا بنؤدي أدوار.. الحياة ليست أبدية ولا هي دائمة لأحد ولا دائم إلا وجه الله فعلا.. هتشمتني وهاشتمك وبعدين.. أنا أحب جدا مقولة ابن تيمية "إن يسجنوني فسجني حرية".. طبعا السجن بهدلة وتعذيب وما إلى ذلك.. يعني أكيد مش حلو.. لكن في الآخر إنت ممكن تقتل واحد وإنت ماشي بالعربية فتسجن.. فكده سجن وكده سجن..

أكيد لازم تحس الأحاسيس دي لما تشوف النفوس تزهق لأسباب تافهة.. واحد صاحبك وقع دماغه "اتفشفشت" فمات وإنت عندك 9 سنين، ساعتها هتتعلم درس مهم جدا وهو إن الحياة دي في أي لحظة ممكن تنتهي.. أنا قعدت 3 أيام في حياتي عايش على عسل وليمون معصفر كانت بعتتهم لي جدتي بعد ما خلصت فلوسي.. أفطر واتغدى وأتعشى على الحاجات دي.. والله ما كنت متمرد ولا زعلان ولا كنت باعيط ولا متضايق، وبعدها جه اليوم اللي ماعدتش باكل فيه لحمة عشان جنون البقر، والفراخ عشان إنفلونزا الطيور، فلا ده ييغيرك ولا ده يضايقك. عشان كده أنا وصلت في فترة كان أصحابي الأنتيم كلهم من القامات الكبيرة "محمود عوض" "علاء الديب".. "فاروق عبد القادر".. "صافيناز كاظم"، لأني نفسيا عندي نفس قناعتهم وعندي نفس الحصيلة اللي هم خرجوا بيها من الحياة فالتقارب النفسي حصل.. أقعد معاهم، مش باسمع لأ باتكلم.. فدي ميزة كبيرة.. وعلمني إنه ممكن في يوم "عادل إمام" بيحتفل بعيد ميلادي وتاني يوم ممكن أكون في الشارع مش لاقي آكل فلما تعود نفسك على ده تنبسط خالص..

توقع دائما الأسوأ.. قل لي إيه الأسوأ من إنك ممكن في يوم تكون شايل شنطة هدومك ومش عارف هتنام فين.. ده الأسوأ ولا واحد يكتب عنك مقال بتتشتم فيه.. طظ.. الكل باطل وقبض الريح إلا العمل الصالح.. ولذلك فأنا دائما أستشهد بالآية الكريمة المذكورة في القرآن الكريم: "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم" (التوبة 102).. دي أجمل آية في القرآن.. أهم حاجة: اعترفوا بذنوبهم.. يعني إنك لا تكابر.. عشان كده الإسلام دائما علمنا إن العبرة بالخواتيم والعبرة بالنهاية.. "إن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي بها بالا فتلقي به في النار سبعين خريفا"، أو مثل القصة الرائعة المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك الرجل الذي كان يجندل الأعداء بقوة وشجاعة فقال الناس إنه سيذهب إلى الجنة لكن الرسول قال لهم بأنه في النار ليكتشفوا بعد ذلك أنه أصيب بجرح لم يحتمل آلامه فانتحر.. أجمل فيلمين في العالم وباعتبرهما فيلمين إسلاميين "أمريكان بيوتي" و"كراش".. الفليمين دول بيعطوك درس وهو أنه لا يوجد إنسان مكتمل no body is perfect.. اصبر وتعايش وشوف واتعلم.. عادي إن حد يشتمك.. خليك قوي واستنى.. جايز الإنسان ينتهي كويس.. وجايز ينتهي وحش والعياذ بالله.

وصلت لها بعد فترة وبعد أن توصلت لشيئين: الأول هو الإيمان بالأشياء الحقيقية المجردة اللي طول عمرنا بنعيش مش مصدقينها، زي الإيمان بالأرزاق وإن مفيش حد هياخد غير نصيبه واعمل اللي عليك وسيب الباقي على ربنا.. الحاجات الصغيرة دي اللي ممكن نكون زهقنا من ترديدها دون فهم..
الحاجة التانية هي الوعي.. "نجيب محفوظ" ظل يكتب 30 أو 40 سنة دون أن يعترف به أحد، "صلاح جاهين" اتشتم عشان الفوزاير وعشان "خلي بالك من زوزو"، فأنا مش هابقى أجدع من الناس دول.. البشر لم يتفقوا على شيء غير ربنا، بل حتى ربنا لم يتفقوا عليه، وجود خلاف حواليك معناه إنك موجود.. مع الوقت ستجد أن إنتاجك زاد، وأنك تتطور وأنك تستغل وقتك في أشياء مهمة وهكذا، ثم إن الحكم آخر الجلسة.. الحكم آخر العمر.. "صلاح السعدني" له جملة جميلة جدا بيقول فيها إن كل فنان لازم يفكر في النعي اللي هيتنشر له في الأهرام، الباقي ليك 4 أو5 أعمال بعد كل الرحلة دي.. وده اللي باحاول أعمله.. لكننا شغالين طوال الحياة طواحين هوا.. نضرب في بعض ونقتل في بعض مع إن معركتنا الحقيقة مش معانا، معركتنا الحقيقة مع الفساد والاستبداد.. يعني واحد كتب رواية وحشة ولا عمل فيلم سيئ خلاص يا أخي سيبه.. إيه اللي حصل يعني؟ لن نتفق جميعا على شيء واحد، دع مائة زهرة تتفتح واحنا بننزل للناس وهم اللي يختاروا، عشان كده باقول إن الناقد الفني هو الذي لا يجرؤ على الكتابة في السياسة، فقرر أن يتشطر على الناس اللي لن يأذوه، عمرك ما تلاقي حد فيهم له اهتمام سياسي، بس تلاقيه يتمطع ويقول ليك "الفساد في الفن".. اللي بيدخل السينما بيدخل بمحض إرادته واللي شايف فيلم رديء في التليفزيون ما عنده ريموت يغير القناة، واللي بيقرأ رواية وحشة هو اللي اشتراها، محتاجين أن تكون الحياة واقعية، وما أقول على النقاد يقوله كثيرون في العالم.. "جاك ليمون" له تعبير عبقري يقول فيه إن "النقاد هم الذين لا يحاربون في المعارك وإنما يهربون في الصفوف الخلفية ثم يقتلون الجرحى".. يعني لا يملكون قدرة المواجهة، لكن هذا لا يعني أني أطالب بإلغاء مهنة النقد ولكن بترشيدها.. ماحدش له علاقة بالجمهور، صدقني أنا لما باقرا حاجة مكتوبة عني بحب بتوصلني وباحاول أتغير وإلا أبقى حمار، لكن لما أقرأ حاجة مكتوبة بكراهية بغرض إنك تدمرني أكيد هاهاجمك، ولذلك أنا بحب جدا مقولة: "دعه يعمل دعه يمر"..
في يوم رحت للكاتبة الجميلة "صافيناز كاظم" وسألتها: ليه الواحد فينا لما يكون مبسوط مش بيبقى مبسوط بجد زي الناس العاديين.. فأعطتني قصيدة للشاعر "بريخت" اسمها "فنان ميت يتسلى بقلمه".. يتقول إن غصب عنك هتراقب الناس وأفعالهم لدرجة قد تصل بك للجنون.. لما بنتي اتولدت مثلا قعدت أفكر في كيف يمكن أن يخرج هذا في مشهد سينمائي.. وكيف يمكن أن أعبر عن مشاعر الأب والأم.. فاكتشفت إنك وصلت إلى مرحلة إنك تراقب الحياة.. وده إحساس صعب.. حتى يوم ما رحت تركيا وكنت واقف عند شلال بديع ورائع لم أستمتع بهذا الجمال وإنما ظللت أفكر في مشهد يجمع ما بين حبيبين، بينما الكاميرا تصورهما من فوق..

الحياة لا تعطيك فرصة للاستمتاع.. حتى ولو كنت باتفرج على فيلم من أجل الاستمتاع.. تلاقيني قاعد أفكر.. طيب ليه عمل المشهد ده، وليه البطل قال كده؟ تقرأ رواية فتقعد تفكر.. طيب ممكن تتحول إلى مشهد سينمائي ازاي؟ صدقني جربت كتير إني أفصل بين الحياة دي ودي.. ماقدرتش.. لكن شغلتك كده.. لو ماتفرجتش على حاجة هتقرا، ولو لم تقرأ ستكتب، ولو لم تكتب ستسمع، ولما الناس تحكي لك حواديت فإنت على طول هتترجمها لمقال أو لمشهد في فيلم.. فخلاص هتكتشف إن الحياة فسدت ولازم تتعايش معها..

أنا أدركت إن لي مهمة محددة.. كل إنسان جاء إلى هذه الدنيا ولابد أن يكون له هدف.. فلازم أقدر نعمة ربنا.. أنا في يوم من الأيام كنت أصرف في اليوم الواحد 2 جنيه.. فلما يصبح نفس هذا المبلغ وكأنه لا شيء بالنسبة لي فهذا في حد ذاته كفاية.. فمش لازم كمان أعيش فرحة الفقير.. أنا كنت عايش الحياة لما كنت فقير.. كنت باحبها جدا.. تستمتع باللقمة وإنت بتاكلها..

عارف أنا لما كنت باسمع ده زمان باقول دول عالم ولاد كذا وعاوزين يعقدونا.. لكن الكلام ده حقيقي فعلا.. أنا دخلت أجمل مطاعم الدنيا وأحن إلى عربيات الفول.. لأنك تسترجع اللحظة اللي ماكنتش فيها مشغول بحاجة.. ورغم إني باعمل ده أحيانا الأيام دي، أروح آكل في عربية فول في الشارع، لكن الإحساس والشعور مفقود.. مش زي ما كنت لابس شبشب عادي ومفيش هموم واليوم يعدي مش فارقة معاك..

أنا لا أعتبر أية لحظة في حياتي قاسية أبدا أبدا، بما في ذلك حتى اللحظات المريرة قوي اللي مريت بيها كتير في الحياة، واللي وصلت لحد التهديد في الرزق، وحتى تلك اللي أنا عشت فيها في خطر، لأني كنت كاتب معارض وأنا لا أملك الجنسية المصرية إلا أن هذا لم يؤثر فيّ نهائيا لأني كنت أعتبر مصر بلدي ولابد أن يكون لي فيها موقف رغم أنه من الممكن أن يرحلني أي عسكري عادي، ولذا فأنا أفتخر بالحاجات دي، يعني دلوقت مثلا الأمر مختلف.. فيه أمان نوعا في البلد "رغم إن مفيش أمان في مصر"، وفيه انفتاح نوعا ما وهناك ضغوط دولية لكنت جربت تعمل ده في وقت صعب...

الحمد لله أنا كنت بامر بمواقف بانتصر فيها على نفسي، يعني وأنا في 3 كلية اتعرض عليّ أعمل رسالة دكتواره لباحث سعودي في مقابل 35 ألف جنيه في وقت أنا لم أكن أملك فيه 35 جنيه، لكني رفضت.. أنا تركت روز اليوسف لأنهم غيروا لي في موضوع فسبت الصحافة وقلت ملعون أبوها.. اتعرض عليّ إني أشتغل في الأهرام ورفضت لأني مش باحب الأهرام، ولما باكتب في الشباب دلوقت باكتب نفس اللي باكتبه في الدستور.. لم أتحول أو أتغير.. طول الوقت أنا بانتصر على نفسي.. دخلت عالم الإعداد في التليفزيون وكان من الممكن أن تندهني النداهة وأكمل فيه إلا إني وقفت عند نقطة معينة.. كل ما تنتصر على نفسك كل ما تكون اللحظات القاسية التي مررت بها تحلو.. لكن طبعا فيه لحظات صعبة.. ودي اللي إنت بتستثمرها وبتطلع الوجع اللي جواك على الورق ودي اللي بتعمل لك طعمك الخاص.. فازاي تزعل منها وهي اللي بتأكلك عيش.. لكن وبصراحة شديدة، اللي بيضايقني كتير وبيحز في نفسي كتير والله يعلم بذلك هو فكرة إنك كنت مع ناس عايش معاهم وبعدين عديت وسبتهم، وبالرغم من إنه ماعندكش رغبة في استثمارهم إلا إنك بتقول اللي عشته فتكسب منهم لكن حالهم هم زي ما هو.. دي الحاجة الوحيدة اللي بتألمني ومش قادر أعمل لهم حاجة.. عشان كده حلم حياتي إني لما أوصل لمستوى مادي معين سأؤسس دارا للخير..

أنا مبهور بتجربة الكاتب التركي "عزيز نسين" اللي هو من أهم أساتذتي ويمكن قرأت له أكثر من 50 كتابا وهو كاتب 100 كتاب، وهو غزير الإنتاج وكتب في كل المجالات ومشاعره في الحياة هي نفس مشاعري، ومشاكلي في الحياة هي نفس مشاكله، وتشردي أنا في الحياة هو نصف تشرده من جوع وطرد والمشاكل العائلية والشخصية.. كلها طبق الأصل فكأنك وجدت روح توءم لك، فأنا حلم حياتي أعمل دار "بلال فضل" أو ما شابه، وأن أوفر لناس مروا بنفس ظروفي أشياء حلوة تعينهم على الحياة، وده هدفي اللي يمكن عشانه بأعمل أفلام تجارية.. أنا لما رحت تركيا تصورت إني هالاقي الناس هناك كلهم بيحترموا ويقدروا كتب "عزيز نسين"، إلا إني وجدتهم واضعين كتبه ضمن قسم "المزاح" مش الأدب -مع إنه في رأيي من أهم الروائيين العالميين مثل "تولستوي" و"بلزاك"- لأنه زي حالتي بيهزر وبيضحك.. الرجل استخدم كل عوائد هذه الكتب وعمل (عزيز نسين وقف) وهي دار للأيتام وأوصى أن يدفن في هذا المكان وألا يعرف أحد طريقا لقبره في هذه الدار حتى لا يخاف الأطفال، ولذلك عندما سألت أقرب أصدقائه عن مكان قبره رد وقال لي: "هو في كل مكان في الدار".. مشكلتي الحقيقية إني شفت وعشت مع الناس دول فالجمهور اللي معاه فلوس ضحك وانبسط، بينما ظل هؤلاء الناس الحقيقيين غلابة مثلما كانوا..

أنا أملي إني أعمل مثلا في الدار سكن للطلاب اللي جايين من الأقاليم ومكتبة يقرءون فيها ودار سينما ببلاش تعرض أفلامي عشان اللي عاوز يضحك يضحك واللي عاوز يفكر يفكر واللي عاوز يخاف يخاف.. جايز أعمل في يوم من الأيام فيلم رعب وعشان كده أنا باعمل أفلام كتير، فده حلمي.. تفتكروا اللي له حلم زي ده هيكون مشغول بمين كتب عنه إيه في الأهرام ولا في الأخبار، ده هدفي والأفضل إنك تكون عارف عاوز توصل لإيه، ولو كلنا اشتغلنا على هذا الأساس وحددنا كلنا هدفنا وعاوزين نوصل إيه كانت بقت الحياة حلوة جدا..

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home