بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Thursday, January 14, 2021

 جمهور الألفية الثالثة وما قبلها أيضًا لا يعرفون المذيع شفيع شلبى الذى أاختفى عن الأضواء قرابة ٤٠ عاما، فطواه النسيان، البعض يختصره فقط فى أنه مذيع (العجلة)، حيث إنه كان أحد نجوم قراءة نشرة الأخبار فى السبعينيات، وحقق كل هذا الحضور فى وجود عمالقة بحجم «همت مصطفى وأحمد سمير ومحمود سلطان وزينب سويدان ودرية شرف الدين».. وأعتذر قطعا لمن فاتنى ذِكر أسمائهم من الكبار، كان هناك من ينتظرون شفيع بشغف حتى يطل عليهم بملامحه المتمردة ولغته العربية الرصينة وأسلوبه الخاص.

شفيع كان متسقًا مع نفسه، شابًا فى نهاية العشرينيات من عمره، لا يتقيّد كثيرًا بـ(البروتوكول) المتعارف عليه، أراد فقط أن يكون نفسه، لم يكن الأمر مجرد عجلة يذهب بها إلى المبنى العملاق، يربط الجادون بالقفل بجوار (عم عريان) بائع الجرائد الشهير أمام بوابة أربعة بماسبيرو، مرتديًا الصندل، تاركًا شعره المجعد والقميص البسيط، ويصر على أن يقدم نشرة الأخبار بتلك الملابس، بينما هم يرون أن (الكاجوال) يجرح جلال النشرة ولا يجوز لمن يقدم أخبارًا عن الرئيس وما يجرى فى العالم من أحداث مصيرية سوى أن يظهر وهو فى كامل هيئته الرسمية، أراد أن يحطم (التابو)، ليس من قبيل مجرد الاختلاف، ولكن ليعبّر عن نفسه وزمنه وجيله، عندما صدر قرار بإقصائه عن الشاشة الصغيرة فى نهاية السبعينيات بسبب (العجلة) ولأنه غير ملتزم بالزى الرسمى، لم تجرؤ أى مطبوعة على الدفاع عنه سوى مجلة (روزاليوسف)، وتحديدًا الكاتب الكبير صلاح حافظ الذى راهن على أنه سيصبح مدرسة فى أسلوب الأداء العصرى، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، لأن (الاستريو تايب) الشكل النمطى هو الذى يكسب فى نهاية الأمر.. لم يستطع أى قارئ نشرة بعد شفيع أن يتقدم بخطوة، لأنهم جميعا تخوفوا من مصير شفيع.

قدم شفيع فى بداية المشوار عددًا من البرامج فى الشارع، وكان أيضا يجرى حوارات مع كبار المسؤولين، ولا يلتزم فيها بـ(الاسكريبت) المعد سلفًا، وحدثت مشادة على الهواء بينه وبين يوسف السباعى وزير الثقافة الأسبق، ولم يخشَ غضب الوزير إلا أنه دفع الثمن بالإيقاف.

البعض كان يصفه بـ (لاسع)، وهو تعبير يعنى أنه لا يتقيد بالمتعارف عليه ويخرج بعيدا عن الخط العام.. والحقيقة أننا لا ننتظر من كل الأدباء أن يصبحوا فى انضباط نجيب محفوظ، وإلا صادرنا د. يوسف إدريس الذى كان لا يلتزم بأى قاعدة شكلية، حتى إنه قابل الرئيسين حسنى مبارك وحافظ الأسد فى منزله بالساحل الشمالى وهو حافى القدمين مرتديًا شورت، وعندما تعجبوا أجابهم: (ما هما كمان طبوا عليه من غير ميعاد).

بليغ حمدى مثلًا كان لديه طموح أن يضم فى لحنه قبل الأخير لأم كلثوم (الحب كله) آلتى الربابة والمزمار البلدى، إلا أنها قالت له: (اعمل جنانك ده بعيد عنى).

شفيع كان لديه إحساس قاسٍ جدا أن المثقفين لم يقفوا معه، باستثناء المخرج خيرى بشارة الذى أسند له دورًا رئيسيًا فى فيلمه (العوامة ٧٠) أمام أحمد زكى، إلا أن موهبة شفيع فى فن الأداء لم تؤهله للاستمرار، كما أنه أخرج العديد من الأفلام التسجيلية التى كانت بها حقًا ومضة موهبة، إلا أنه كان ينقصها شىء من التكثيف.

فى السبعينيات، كان أسبق من الزمن.. ولا يزال بعد نصف قرن أسبق من الزمن.




Wednesday, January 13, 2021

 

“والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت
إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم
إلا وأنت حديثي بين جلاســي
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا
إلا وأنت بقلبي بين وسواســـي
ولا هممت بشرب الماء من عطش
إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم
سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس
ويا فتى الحيّ إن غّنيت لي طربا
فغّنـني وأسفا من قلبك القاســـي
ما لي وللناس كم يلحونني سفها
ديني لنفسي ودين الناس للنـــاس”

 أحيانًا، يصبح الخطأ هو عين الصواب.. لديكم العديد من الأمثلة، فيلم (أنت حبيبى)، سنجد مع اقتراب النهاية أنجح الأغنيات (زينة والله زينة) التى أضيفت للفيلم عنوة.. شاهد فريد النسخة خلسة دون علم المخرج يوسف شاهين، فاكتشف أنه لا يتجاوز زمنه فقط ساعة ونصف الساعة، وقال: فيلم فريد يجب أن يصبح الأطول، وهكذا أصر على أن يبحثوا عن موقف يملأون به الزمن رغم اعتراض المخرج على المبدأ، وأضافوا للأحداث عُرسًا نوبيًا من الممكن من الناحية الدرامية حذفه تمامًا، شارك فى أدائه بالغناء فريد وشادية وبالرقص هند رستم، وأدى هذا المشهد لرواج الفيلم، وكان يوسف شاهين يتجنب رؤيته ويعتبره أفشل أفلامه بسبب (زينة والله زينة)، وأثناء إقامة احتفالية ليوسف شاهين فى باريس، وجد أن الجمهور الفرنسى يردد من بين أغانى كل الفيلم تحديدا (زينة والله زينة) فأحب (أنت حبيبى).

الموسيقار محمود الشريف أقام دعوى قضائية ضد الإذاعة المصرية فى الخمسينيات، لأنهم بسبب خطأ فى المونتاج يذيعون الجزء الأول فقط من أغنية ليلى مراد (من بعيد يا حبيبى بسلم)، إلا أنه وبسبب عدم اكتمالها اعتبر الموسيقار محمد عبدالوهاب والكاتب إحسان عبدالقدوس أن الأغنية حققت إنجازا موسيقيا، وتراجع الشريف بعدها عن إقامة الدعوى القضائية.

قال لى محمد صبحى إنه ذهب مع رفيق الرحلة الكاتب لينين الرملى إلى محمد عوض، وكان فى السبعينيات أحد أهم نجوم الكوميديا، ليتفقا معه على بطولة مسرحية (انتهى الدرس يا غبى).. كان صبحى سيؤدى دورا ثانويا بجوار عوض، إلا أن عوض اعترض على الفصل الثالث، بينما رفض لينين إجراء أى تغيير وأسند المخرج الدور لصبحى وتم تدشينه بعدها نجما جماهيريا، ذهب عوض لمشاهدة العرض وصعد لتحية الأبطال، وعلى المسرح طلب الكلمة، فقال للجمهور مازحا: أعترف لكم أننى طلعت (....)!!.

فيلم (سواق الأتوبيس) كتب القصة محمد خان، إلا أنه بعد أن قرأ سيناريو بشير الديك لم يتحمس لإخراجه، وتم ترشيح خيرى بشارة الذى قال إنه ميلودرامى زاعق، وجاء الفيلم إلى عاطف الطيب لإنقاذ الموقف، فكان هو الأهم فى حقبة الثمانينيات.

عندما استمع محمد رشدى إلى لحن (بهية) اعتذر لبليغ حمدى قائلا: غنيت لـ (وهيبة) و(عدوية) و(نجاة) و(نواعم) وغيرهن، وأخجل أن أضيف لهن (بهية)، فكانت من نصيب منافسه التقليدى محمد العزبى، لتصبح أشهر أغانيه، وعندما سألوا عبدالحليم عن الأغنية، قال: لو عُرضت علىّ لقدمتها فورا، بينما محمد رشدى اعتبرها غلطة ولكنه أضاف النجاح رزقا يستحقه العزبى.

تخوف عادل إمام كثيرا من أداء دور (الشيخ حسنى) الكفيف فى فيلم (الكيت كات) إخراج داود عبدالسيد، وذهب الفيلم إلى محمود عبدالعزيز، وقال عادل إمام بعد النجاح الجماهيرى والنقدى للفيلم إنها بالفعل شخصية درامية رائعة وأثنى أيضا على أداء منافسه محمود عبدالعزيز، وكانت تلك أهم غلطة سينمائية ارتكبها عادل ليقتنصها محمود. بينما نجاة طلبت من الشاعر مأمون الشناوى والملحن بليغ حمدى تغيير مقطع فى (بعيد عنك)، وعلى الفور قدما الأغنية لأم كلثوم لتصبح واحدة من أكثر خمس أغنيات على خريطة (الست) تحقق رواجا جماهيريا.



Monday, January 11, 2021

 لا أتذكر سوى أن بينى وبينه لقاءات عابرة لم تتجاوز أصابع اليد، آخرها، ربما قبل بضع سنوات مداخلة تليفزيونية، شعرت من صوته فى البداية بالتوجس والتمست له العذر، لأن هناك انطباعا سائدا أنى فى الأغلب سوف أنتقده، وبددت كل مخاوفه مع أولى كلماتى وفى لحظة وجدت فيضا من الدفئ والحب والتقدير تحيطنى به كلماته.

هادى لا يمكن تصنيفه تحت أى مسمى مباشر كوميدى أو تراجيديا، هو فقط ممثل موهوب.

كنت أراه ينضج على نار هادئة، إنه الاسم الخامس فى (مدرسة المشاغبين) التى بدأت عروضها الأولى قبل انتصار ٦ أكتوبر ٧٣ بأشهر قليلة، وحققت أكبر انتصار جماهيرى على خشبة المسرح، وحققت أيضا أعلى جدل على (الميديا)، ولا تزال العديد من الأقلام تعتبرها سر نكسة التعليم، وهو نوع من الاستسهال، عندما نحمل الفن كل أخطاء الواقع، وبدلا من تغييره نبحث عما هو أسهل، وهو تغيير الفن.

النجاح الاستثنائى أحدث دويا فى الشارعين المصرى والعربى، حيث كان شريط الكاسيت الصوتى فى عز ازدهاره، بالطبع سرق فى البداية المشاغبان عادل إمام وسعيد صالح الكاميرا، ثم استطاع يونس شلبى، بمساعدة ومباركة سعيد صالح، أن يلحق بهما، وبعدهم بمسافة جاء أحمد زكى فى دور (أحمد) الشاعر المحبط الفقير، بينما ظلمت شخصية (لطفى) هادى لا يوجد ملمح متميز من الممكن أن يقتنص منه (إيفيه) ضاحك، بينما عادل (بهجت الأباصيرى) وسعيد (مرسى الزناتى)، ويونس شلبى (منصور ابن الناظر) اللى ما بيجمعش، كانوا هم عنوان المشاغبين، أحمد زكى ظل يشعر دائما بكراهية تجاه تلك المسرحية، وفى العديد من العروض كان يعتذر، وكثيرا ما استعان المنتج سمير خفاجة لإنقاذ الموقف بمحمود الجندى لأداء دوره، بينما هادى الجيار أدرك أن هذا هو قانون المسرح التجارى، غضب مؤكد، وشعر كما وصف نفسه وكأنه مجرد متفرج صعد من مقاعد الجمهور فى الصالة إلى خشبة المسرح، إلا أنه تمكن من استعادة توازنه، واكتشف النصف الملآن من الكوب، وهو أن نجاح المسرحية الطاغى وكل تلك (الإيفيهات) التى يطلقها زملاؤه ستمنحه فرصة لكى يراه جمهور بدائرة أوسع، وعندما بدأت عروض المسرحية تليفزيونيا فرقت أكيد معه.

المسرحية كما صاغها على سالم تعتمد على مساحات مقننة من الارتجال، وليس كل فنان مؤهل لذلك، بل عدد محدود فقط هم الذين لديهم تلك القدرة ويقف مثلا على القمة فى تاريخنا المسرحى كله سمير غانم.

هادى كان يتحرك على الخريطة بإيقاع السلحفاة، يلتقط المساحة المتاحة أمامه، خاصة فى المسلسلات الدرامية، لم تشغله كثيرا حكاية النجومية، أيقن أنه ليس نجما بالمعنى المتعارف عليه، وتصالح نفسيا مع ذلك، صحيح أنه وجه عتابا لأحمد زكى لأنه لم ينفذ الوعد الذى قطعاه سويا فى (المشاغبين) أن من يصل لمرحلة البطولة لا ينسى ترشيح زميله، ولكنه مع الزمن أيضا تجاوز عن ذلك، الدراما التليفزيونية كانت ترى فيه وجوها متعددة، وظل حتى اللحظة الأخيرة مطلوبا، وآخرها مسلسلا (الاختيار) و(موسى) اللذان سيعرضان فى رمضان، ولا أدرى بالطبع ما هى المساحة التى قطعها فى الأداء، ولكنى أتصور أننا سنرى له آخر إطلالتين على الشاشة الصغيرة.

بينما نتابع ما يجرى من تجاوزات واتهامات فى الوسط الفنى تصل للضرب والسكر وتعاطى المخدرات فى (اللوكيشن)، يودعنا اسم هادى الجيار مقترنا بصفة صارت عزيزة المنال حاليا، وهى الاحترام.



Sunday, January 10, 2021

 أنت تفضل أن تعمل كل شىء فى وقته ولا تحب المواقف والأداء العشوائى، ولابد أن يقام العمل بأسلوبك حتى لا تتوتر.


Saturday, January 09, 2021

 العام 1901 أصدر الكاتب البريطاني #جورج_ولز كتابه «أول رجلين يهبطان على القمر». كان ولز ابن بريطاني بسيط، يعمل في الحدائق، وأمه تخدم في المنازل. لكنه ولد بمخيلة جعلته يُعرف بأبي الخيال العلمي. العام 1969 نزل الأميركيون فعلاً على القمر فوجده الرائدان أرمسترونغ والدرن كثير الشبه بالقمر الذي وصفه رائدا ولز، العالم كافور والمغامر بدفورد.


كان على المغامر النشيط بدفورد أن يؤلف مسرحية ناجحة كي يجمع تكاليف الرحلة إلى القمر، أما تكاليف العربة أبوللو 11 فكانت أبعد من خياله بكثير. الآن، بعد 50 عاماً، ماذا أفادت الإنسانية من السباق المحموم إلى الفضاء والكواكب؟
قد يكون الجواب أن الإفادة المباشرة لا شيء. مجرد عرض مثير على سطح #القمر. وحدث علمي لا يزال كثيرون يشككون فيه: خدعة سينمائية صورت على #الأرض من أجل تهزئة الاتحاد السوفياتي وجعله يتكبد المزيد من الهدر في سباق التسلح. لكن الجواب الآخر أن الفوائد العلمية لا حصر لها. كلها حدثت في الطريق إلى القمر، ومن ثم، إلى الكواكب الأخرى. والسباق في الفضاء جعل الأرض مشغلاً تكنولوجياً لا تتخيله مخيلة. مسكين البريطاني ولز، والفرنسي جول فرن، والأندلسي عباس بن فرناس. ولكنهم أصحاب الفكرة. هم الذين وضعوا الخريطة. بل إن ولز وضع «آلة تعبر الزمان». وظل يتخيل ويثري إلى أن نسي تماماً منزل الفقر والعوز في «بروملي»، وانتقل إلى حياة الأثرياء في «ريجنت بارك».
العلم دنيا مفتوحة. ونحن أبعد الشعوب عنه. وقد نوقشت في أصيلة أخيراً – مرة جديدة – مسألة تعريب المصطلحات العلمية. هذه ليست قضية قومية. علينا أن نناقش أولا مدى حضورنا في العلوم. لقد مضى زمن على عبقريات ابن سينا. وأصبحنا نسبياً، خارج كل شيء حتى النقل. وماذا يفيد تعريب الألفاظ في زمن يحتفي العالم بمرور نصف قرن على رحلة القمر؟ لقد كان دورنا في ذلك التشكيك في الذي حدث. كذلك، سارعنا، أحياناً، إلى الاحتفال «باكتشافات» عجائبية تبين أنها ليست أكثر من خرافات مضحكة ومهازل معيبة.
الخلاف ليس على تقريب اللفظ، بل على تعريب العلوم. هذا هو الصراع والسباق اليوم. وتلك هي الثروات الكبرى. صراع الحضارات ليس في المبارزات، ولا في المسابقات الخطابية. ولا يهم إطلاقاً بأي لغة تسمى الأدوية المنقذة للبشر.



Friday, January 08, 2021

 https://soundcloud.com/hadeer-hassan/7een_yohdy_elsob7



كان ذلك الجزء المتعلق بالحشرات في العرض التقديمي الذي ألقيتُه أمام زهاء 300 شخص، هو الأغرب والأكثر تشويقًا على الإطلاق. فقد كان من الصعب جدا أن أشير إلى الموضوع بهدوء، بسبب ردود الأفعال الأولية التي كان من المتوقع أن يبديها المتابع، من تقزز إزاء ما يتعلق ببعض الحشرات؛ ولذا أنقذتُ الموقف باستخدامي صور رؤوس الحشرات التي التقطها المصور الفوتوغرافي "يوسف الحبشي" بتقنية "الماكرو". فقد بدت بتشكيلاتها وألوانها وكأنها زهور. كان ذلك الاقتراب مؤثرا جدا -كما خططت له- لاستحضار عاطفة المتابع وإبلاغه بالرسالة المنشودة: الحشرات حلقة أساسية في سلسلتنا الغذائية وحاسمة لاستمرار الحياة!
بعـد خمسة أعـوام على ذلك، وأثناء تجولي في معرض "اللامرئي" والذي خصصه الحبشي لموضوع الجزء المتعلق بقرون الحشرات وفكوكها، كان أكثر ما لفت انتباهي اثنتا عشرة لوحة معدنية بديعة إلى يمين المدخل؛ والحقيقة أني حتى لو مكثت يوما كاملا في البحث عن علاقتها بموضوع المعرض، لَمَا نجحت. ولمعرفتي الكبيرة بالحبشي، استبعدتُ تمامًا أنها توجد في المكان اعتباطًا، كأن تكون مثلا جزءا من جدار المعرض الخاص بـ"منارة السعديات" في أبوظبي. منذ أن تعـرفت إلى الحبـشي وأنا أتعامل معه بحساسية "مفرطة". وأظن أنه يصح لي تماما استخدام هذه المفردة؛ فهو شخص دقيق جدا وشديد العناية بعمله إلى أقصى حد. وعادة ما يكون شخص بهذه الصفات آخر من نودّ التعامل معه في العمل، غير أن هذه النوعية بالذات لديها شغف لا محدود بما تقوم به، واستعداد مطلق للذهاب إلى أعمق ما يمكن تصوره وتحقيق النجاح حتى أبعد الحدود. وفي تلك اللوحات الاثنتي عشرة المعلقة، تجسَّد ذلك العمق الذي ذهب إلى أبعد ما يمكنني تصوره! رغم نجاح الحبشي المدوّي في التصوير بتقنية الماكرو واقترابه من وجوه الحشرات وعيونها وفكوكها خلال الأعوام العشرة الماضيــة، مـا زال مــأخوذًا بهذا العالم ومشدودًا إلى مناطق غير مأهولة في مملكة الحشرات.. إلى ما وراء الصورة وما بعد الماكرو.. إلى التجريد في معناه الأعمق، في استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقي.
يعتمد التجريد على البعد بالشيء عن شكله في الحياة الطبيعية، سواء أكان فكرة أم كلمة أم صورة أم غيرها من الأمور المحيطة والمعلومة. وقد أصبح هذا الأسلوب يُستخدم لإحداث تأثير في النفس عبر النفاذ إلى عمقها؛ وقد ظهر في التصوير أول مرة عام 1842 على يد الطبيب والعالم والمؤرخ والمصور "جون ويليام دريبر". إذ استخدَم هذا الأخير فن التصوير بذكاء لتقديم أدلة ملموسة على نتائجه حول ضوء الشمس وتأثيرات الأشعة الطولية على نمو النبات، مستخدمًا المطياف؛ الأمر الذي أدى إلى تشتيت أشعة الضوء. هنالك تمكن دريبر من رصد نمط مرئي جديد لم يُعرَف من قبل. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ومع التقدم المذهل في تقنيات التصوير، دأب المصورون على التقاط ما لا يمكن رؤيته بواسطة العين المجردة. إنها الأسرار الجديدة التي تثير الحماس في نفوس الآخرين تجاه الأمور العادية والمكتشفة سابقا. في الصور المجردة، تكمن الإثارة في بعدها عن الموضوع الظاهر والمعروف واستخلاص جوهر جديد تماما يكاد يكون منفصلا عن أصله. في تلك الزاوية من معرض الحبشي "اللامرئي"، كان التجريد مجسَّدًا على أصوله.. فقد كان كياني كله يتساءل: "ما هذا؟".
إنه الجوهر، الكُنه، العمق.. إنها حشرات!!
إنها صورة جديدة تمامًا قد تتشابه أو لا تتشابه مع الشكل الأصلي للصورة العادية؛ إنها رحلة جديدة للنظر إلى العالم والأشياء بطرق مختلفة ومثيرة في الوقت ذاته. ولكنها رحلة يقودها إحساس المصور، تفتح الباب لتصورات وتساؤلات لا حدود لها في ذهن المشاهد وخياله. إن "النُّظُم العاطفية لدى البشر أقوى بكثير من النظم المنطقية"؛ ولذا كان لِلَّعب على النظام الإدراكي لدى المتلقي تأثيرٌ أعمق وأشد بكثير، مما يسمح بنشوء تواصل معه من خلال مشاعره، ويرمي في النهاية إلى بلوغ هدف المصور.
يقول الحبشي: "على الرغم من صغر حجم هذه المخلوقات، فإن وجودها ودورها الحيوي الفاعل يفوقان حجمها أضعافًا في الأهمية بالنسبة إلى كل شيء من حولنا، سواءً أكان ذلك للبشر أو للحيوانات أو حتى للنباتات. هذا ما يجب أن يدركه الإنسان.. وسأسعى إلى تحقيق ذلك بأي وسيلة متى ما تمكنت". وهو بذلك المنحى الجديد في أعماله، يميل إلى إثارة ردود فعل قوية من النظام الإدراكي لدى متلقيه، خدمةً لرسالته التي تجعلنا ننظر إلى هذه المخلوقات بطريقة مختلفة. فإلى أي حدّ نجح مصورنا في سعيه؟



Thursday, January 07, 2021

 قلشنا وهزرنا علي الفوضي اللي حصلت في الربيع الامريكي... نقعد بقي ونتكلم كلمتين بهدوء مع فنجانيين قهوة يعدلوا المزاج


اللي بيحصل في امريكا هيخلص... وترامب هيمشي... وبيضون هيتنصب... وهتبقي توتة توتة فرغت الحدوتة... بس المهم ايه هيه الدروس المستفادة لينا احنا كمصريين

🤔🤔اول درس
احنا مش شعوب همجية ولا غوغائية... احنا شعوب زي أي شعوب... فينا الصالح وفينا الطالح... فينا الملتزم بالقانون وفينا الفوضوي العشوائي... واعتقد منظر الشعب الامريكي الكيوت وهو بيسرق المحلات في احداث انتخابات 2016 و مظاهرات حياة السود مهمة واحداث امبارح واقتحام الكونجرس بملابس القرون الوسطي بتقولنا اننا يجب ان نتوقف علي تحقير انفسنا... يجب ان نتوقف عن الدونية وجلد الذات

🤔🤔ثاني درس
تدخل المال السياسي وتبرعات رجال الاعمال امر معتاد في سير اي انتخابات... ولما نعرف ان تكلفة الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس الأمريكي في 2020 وصلت إلى 14 مليار دولار... ويعتبر بايضون أول مرشح في التاريخ الأمريكي يجمع مليار دولار... وترامب جمع حوالي 600 مليون دولار وفقاً للبيانات المعلنة

لقد تم توزيع البيتزا والرشاوي الانتخابية وصناديق الاكل وبفيديوهات لمواطنين امريكان... ده غير تبرعات كبار رجال الاعمال... يبقي ياريت نبطل نتكلم عن تاثير المال السياسي... ولا انت فاكر الشركات الكبيرة دي ورجال الاعمال دول بيمولوا ليه... عشان مصالحهم والتأثير علي القوانين والقرار السياسي قولا واحدا

🤔🤔ثالث درس
مافيش حاجة اسمها انتخابات حرة ونزيهة... عشان نزيهة انتحرت... وده كان واضح تماما في انتخابات 2020... ترامب الرئيس الامريكي اللي علي راس السلطة اتهم الديمقراطيين بالتزوير وبسرقة الانتخابات حتي وإن لم يسانده القضاء الامريكي... ورافض للنهاردة الاعتراف بهزيمته وتسليم السلطة سلميا... لتنهار اسطورة امريكا بلد الحريات وتبادل السلطة والبلا بلا بلا

🤔🤔رابع درس
مافيش حاجة اسمها حريات حين تتعارض مع الامن القومي والمصالح العليا للبلاد ويعتبر تدخل قوات الامن بالقوة والعنف والغازات المسيلة للدموع لقمع الفوضي شرعيا ومطلوبا... واعتقد تدخل قوات الامن لاخماد ثورة وفوضي وعنف انصار كلينتون بعد فوز ترامب في 2016 اكبر دليل... وثورة الملونين في 2019 بعد مقتل جورج فلويد دليل آخر... وحاليا مظاهرات انصار ترامب واقتحام الكونجرس احدث وآخر دليل

🤔🤔خامس درس
مافيش حاجة اسمها اعلام حر الا في احلام المراهقين السياسيين... واللي بيحصل علي قنوات CNN و Fox news اكبر دليل... الاولي كانت بتكسر في ترامب من يوم ماتسلم السلطة في 2016 لحد امبارح وتهدف اسقاطه... والفوكس نيوز منحازة للجمهوريين علي طول الخط... ويضيع حق المواطن العادي الغير منتمي لحزبي الفيل والحمار وآخر همهم مصلحة الوطن العليا

🤔🤔سادس درس
فاضل بس نتكلم عن الفساد والظلم... وانا مش هكلمك عنهم... انا بس هطلب منك تدخل علي نيتفليكس وتتفرج علي الاعمال الوثائقية اللي بتوثق كافة انواع الظلم اللي بيقع علي الفقراء والغلابة والسود والطرمخة للاغنياء من قبل رجال الشرطة وتتفرج علي تدليس الادلة الجنائية وفساد نظام المحلفين في القضاء الامريكي

✋✋ارفع راسك ايها المواطن المصري... بلدنا جميلة وتاريخها حضاري وعريق وماشية وبتتطور في الطريق الصحيح... وكفاية تسمع للدونيين والقذريين اللي لسة عايشين في الحلم الامريكي اللي قلب كابوس

بس كده






 حاول أن تقوم بأى تغيير فيما ترى أو فى الأجواء المحيطة وإلا سوف تجد نفسك فى حالة ملل حتى من نفسك.



Wednesday, January 06, 2021

أجمل ما يمكن أن يقال فى وداع جيرارد مارسدن، الشاعر والمطرب والملحن الإنجليزى الذى توفى أمس الأول.. هى الحكاية التى سبق أن رواها النجم الكروى الهولندى الراحل الكبير يوهان كرويف.. ففى شهر مايو ٢٠٠٥.. استضافت اسطنبول نهائى دورى أبطال أوروبا بين ميلان وليفربول.. وانتهى الشوط الأول بفوز ميلان ٣/ صفر.. وكان كرويف فى المدرجات وشاهد أثناء الاستراحة ٤٠ ألف متفرج جاءوا من ليفربول مع فريقهم يغنون بصوت واحد: لن تمشى وحدك.. وبدأ الشوط الثانى دون أن يتوقفوا عن الغناء حتى أحرز ليفربول ثلاثة أهداف.. ثم فاز ليفربول بالكأس بضربات الجزاء.. وقال كرويف يومها إنه لم ينس هذا المشهد بعد ذلك مطلقا وأن الفائز الحقيقى بالكأس كانت الجماهير وهذه الأغنية الشهيرة.. الأغنية التى كتبها ولحنها وغناها مارسدن عام ١٩٦٣.. ونجحت الأغنية بشكل لم يتوقعه أحد حتى صاحبها.

ولأن مارسدن كان من أبناء مدينة ليفربول ومن عشاقها أيضا.. فقد اختارت جماهير ليفربول هذه الأغنية لتصبح النشيد الرسمى لنادى ليفربول الذى لابد من غنائه قبل كل مباراة وعند كل أزمة وبعد كل انتصار.. ومثلما نجحت أولاً كمجرد أغنية.. نجحت أيضا بعدما أصبحت الأغنية الرسمية لنادى ليفربول لدرجة اختيارها كأفضل أغنية لأى فريق كروى بالعالم.. وبات تأثيرها طاغيًا لدرجة أن المنافسين كانوا يخشونها قدر خشيتهم من نجوم ليفربول فى كل العصور.. ومن فرط ما غنت جماهير ليفربول هذه الأغنية عند الأزمات والأوقات الصعبة.. أصبحت شعارًا للصمود والتصدى لأى محنة.. غناها الإنجليز لنيلسون مانديلا فى استاد ويمبلى.. وغنتها باربارا سترايساند لأهالى ضحايا هجمات سبتمبر فى نيويورك.

وغناها أيضا فى مناسبات مختلفة كبار مطربى العالم مثل ألفيس بريسلى وفرانك سيناترا وجونى كاش ودوريس داى وأوليفيا نيوتن جونز وبينك فلويد.. فلم تبق مجرد أغنية بقدر ما أصبحت دعوة للتمسك بالحياة وعدم الانهيار أو الانكسار.. وكان مارسدن يردد أحيانا أنه لو لم يقدم لليفربول والعالم سوى هذه الأغنية فسيكفيه ذلك.. وحين نشر مذكراته عام ١٩٩٣ اختار لها هذه العنوان.. لن أمشى وحدى أبدًا.. ومن وقت لآخر كان مارسدن يقف ليغنى أغنيته مع جماهير ليفربول.. وبعد ٧٨ عامًا رحل مارسدن بقلب لم يعد قادرًا على المشى أو الحياة.



مع كل هذه الطاقة تستطيع أن تكسب معارف وأصدقاء وتملأ الأجواء حماسا ولكن عليك أن تكون مرناً.

** 

Tuesday, January 05, 2021

 بين الحين والآخر تبث لقاءات نادرة، وفى العادة يتم التقاط رأى ساخن، تلك (القفشات) تحظى عادة بنهم الناس وتندرهم.

المطرب محرم فؤاد الذى انطلق عام ٥٨ بعد ٥ سنوات من نجومية عبد الحليم محققًا شهرة عريضة، ظل اسم حليم هو المسيطر، حتى رحيله عام ٧٧، عاش بعده محرم نحو ربع قرن، أجرى الحوار الإعلامى عمرو أديب، أكد «محرم» أن على الحجار لا يصلح كصوت منفرد، فهو لا يمكن أن يتجاوز مكانته كأحد أفراد (الكورال)، بينما يصف هانى شاكر بأن عليه أن يغنى فقط للأطفال ويبتعد عن الغناء العاطفى.

الزمن طبعًا أكد أن «الحجار» صوت له مذاق وبصمة ورصيد ضخم من النجاح، بينما هانى شاكر- يقترب من نصف قرن- مطرب عاطفى كبير، ولم يقدم أى أغنيات للأطفال!

من الممكن مثلا التفسير بأن محرم غضب من رأى ما ردده عنه كل من هانى أو الحجار، وأراد أن يردها بأسوأ منها، ومن الممكن أيضا اعتبار أن هذا هو رأى محرم كفنان كبير له دراية بعلم الأصوات والأنغام، حقيقة دوافع محرم لا يمكن التيقن منها.

لا يحتل التسجيل السابق المكانة الأولى على (النت)، يسبقه لقاء نادر للفنان الكوميدى الكبير عبد السلام النابلسى- ملحوظة أتحمل مسؤوليتها- نصف ضحكات سينما (الأبيض والأسود) مصدرها النابلسى خاصة تلك التى شارك فيها بأداء دور صديق البطل مع فريد الأطرش أو عبد الحليم حافظ، أو تلك الثنائية الاستثنائية التى جمعت بينه وإسماعيل يس، ورصيده يصل إلى نحو أكثر من ١٥٠ فيلما، أشهرها دوره الذى لا ينسى (حسب الله السادس عشر) قائد الفرقة الموسيقية النحاسية مع حليم وصباح وزينات صدقى فى (شارع الحب).

النابلسى كان لديه حس أدبى يكتب مقالات فى الصحافة، ويقرض الشعر، وكان قارئًا نهمًا، كما أشار إلى ذلك العديد من أصدقائه.

فى التليفزيون اللبنانى استضافته الإعلامية الكبيرة ليلى رستم، نهاية الستينيات، حيث إن ليلى رستم متعها الله بالعافية قضت ولا تزال جزءًا كبيرًا من حياتها الشخصية والمهنية فى بيروت.

رحل عبد السلام النابلسى عام ٦٨ وأظن البرنامج سُجّل قبل رحيله بأشهر قليلة، كان النابلسى قد فرّ من القاهرة إلى لبنان بسبب ملاحقات مصلحة الضرائب، بدأ النابلسى فى إلقاء قصيدة عن فيروز تحمل إشادة لـ(جارة القمر)، يقول مطلعها (تراتيل قديسة وأصداء كنيسة) وينهيها بهذا البيت (هى فى جبين لبنان غُرة/ وعلى صدره دُرّة)، إلا أنه يضيف أيضا بعدها (آه لو أطلقت لصوتها عنانه/ ودعمت بالطرب الشرقى كيانه)، تناول النابلسى الصوت المصطنع الذى تؤدى به فيروز أغانيها، وأكد أنه قال ذلك لعاصى ومنصور الرحبانى، وأيضا لفيروز شخصيًا، بينما دافعت عنها بكل قوة ليلى رستم، وقالت: الناس تحب فيروز كما هى.

عبدالسلام النابلسى لم يتمسك كثيرا برأيه أمام اعتراض ليلى رستم، وفيروز لاتزال فى عالمنا العربى كله غُرة، وعلى صُدورنا جميعا دُرة، والنابلسى الشهير بـ(حسب الله السادس عشر) لا يزال هو إكسير السعادة الذى ينعش قلوبنا، عندما ناجى ربنا قائلا (ما تبسطهاش أكتر من كده) بينما هو فى هذا الحوار بسطها أكثر بكثير مما ينبغى!


** ربما الهدوء غير متاح ولكنك تبدو منتعشا ونشيطا وتستطيع خلق جو من الحب.

Monday, January 04, 2021

 هل فى الموت أو المرض شماتة؟ مع الأسف ما يطلقون على أنفسهم الإخوان ويربطون اسمهم عنوة بالإسلام يمارسون كل ذلك وأكثر، تجد عيونا تنطق بكل معانى الشر والتشفى، عندما يمرض أو يرحل إنسان، لمجرد أنه قرر أن ينطق بالحقيقة ويفضح سواد أفكارهم.

الكاتب الكبير وحيد حامد، ومبكرا جدا قبل ربع قرن قدم رائعته (العائلة)، التى كانت ناضجة جدا فى بصيرتها، اختار العائلة عنوانا ومساحة درامية لنرى المجتمع بكل طوائفه، لم يطلب منه أحد أن يبتعد أو يقترب من أى محاذير، وكان هذا هو شرطه الوحيد بعد الموافقة على إنتاج المسلسل، الذى أحدث نجاحا مدويا فى مصر والعالم العربى، نيران الإخوان كانت قد بدأت تعلن عن نفسها فى أكثر من بلد عربى.

ما منح وحيد كل هذا الحضور عند رجل الشارع أنه يكتب الحقيقة مدعمة بالوثيقة، عندما علم الإخوان فى ٢٠٠٩ أنه بصدد الجزء الأول من (الجماعة) تواصلوا معه، وقالوا له لدينا المراجع، أجاب ولدى أنا أيضا تلك المراجع، وعندما تواصلت معه الدولة قال لهم إنه لديه كل الأوراق وسيكتب فقط الحقائق.

وهكذا كان البعض يسأل لماذا لم يقدم حسن البنا شخصية كريهة منذ اللحظة الأولى؟ بينما وحيد كان يعلم أنه يرسم ملامح إنسان بكل الظلال والألوان، مرجعيته الأولى هى ضميره، ووصل المسلسل فى جزئه الأول للناس، وقبل عامين قدم الجزء الثانى الذى أثار كالعادة فى البداية الغضب ومن أكثر من اتجاه، خاصة من أرادوا رؤية جمال عبدالناصر ومصطفى النحاس باشا فى صورة نمطية، بينما وحيد كعادته كان يرسم ملامح الإنسان.

ومع استمرار عرض الحلقات أدركوا أن ناصر والنحاس بشر، وتعاطف ناصر فى البداية مع الإخوان له ما يبرره، بحكم الزمن وقلة الخبرة، بينما قُبلة النحاس على يد الملك فاروق التى أغضبت الوفديين، كانت توثق (البروتوكول)، ولم تتجاوز أبدا فى حق وطنية النحاس باشا.

وحيد يتوخى الدقة فى كل شىء حتى نوع سجائر عبدالناصر أشار إليها، تحمل بشجاعة طلقات النيران التى وجهتها إليه العديد من المنصات مهما تباينت الدوافع.

قلت له يوما هل كل ما يُعرف يقال؟ أجابنى عندما نتحدث عن تاريخ وطن يجب أن نقول كل الحقيقة، وهكذا مثلا عندما قرر أن يكتب الجزء الثالث من (الجماعة) وافقت (الشركة المتحدة) المنوط بها الإنتاج التى يديرها تامر مرسى، على كل ما أراده، لم يطلب وحيد سوى أولا أن يحصل على ضوء أخضر بأن يكتب بحرية من خلال الوثائق، وجاءت الموافقة غير مشروطة بأى تحفظات أو ممنوعات، قال له تامر مرسى نثق فى وطنية ومهنية وحيد وكل التفاصيل من حقك أن تكتبها، أيضا طلب وحيد ثانيا (بحبوحة) من الوقت للتنفيذ، وألا يرتبط بالضرورة بالعرض الرمضانى، ووافقوا أيضا على هذا الشرط.

كتب وحيد حلقات لا أدرى كم عددها بالضبط وما هو مصيرها الآن، ولكن ما أنا أوقن منه أن هذا المبدع الكبير لم يكتب سوى قناعاته، ولم يكن أبدا لسان حال سلطة، فقط كان لسان حال الوطن، معبرا عن أحلام المواطن البسيط، وهكذا أحاطته قلوب المصريين يوم وداعه، القلوب المؤمنة التى لا تعرف أبدا الشماتة، ستنير طريقه إلى الجنة.


** نجاحك وتقدمك يفرضان نفسيهما، ومن حولك يشعرون بتميزك، وقد تتلقى المجاملة والإعجاب.


Sunday, January 03, 2021

 هل كان يعرف؟.. أتصور أن إحساسه كان يقول له اقترب الوداع، كثير من التفاصيل أشارت إلى أنه كان يدرك أنها اللحظات الأخيرة، كنا جميعا نعرف، إلا أننا فى نفس الوقت كذبنا مشاعرنا، وانتظرنا معجزة السماء.

فى الأشهر الأخيرة كثيرا ما التقيته أثناء إعدادى كتاب (وحيد حامد.. الفلاح الفصيح)، كان بصدد كتابة الجزء الثالث من ملحمته عن الإخوان (الجماعة)، تتناول مرحلة أنور السادات، وهى إحدى عشرة شائكة وفارقة جدا فى تاريخ مصر، عندما أطلقهم السادات من أجل التهام اليسار والشيوعيين فكانت النتيجة أنهم التهموه وأرادوا بعدها التهام الوطن.

لم يبدأ وحيد فى الكتابة إلا بعد أن حصل على ضوء أخضر وموافقة مكتوبة من شركة (إعلام المصريين) تمنحه الحرية لذكر كل الحقيقة، الموقف حساس جدا، والحلقات تتناول رئيس مصر الأسبق، ولم نتعود فى أعمالنا الدرامية على انتقاد رئيس مصر، وافقت الدولة، بلا محاذير أو محظورات. إشارة الدولة كانت محورية جدا، وحيد يراهن فقط على الحقيقة، المدعومة بالوثيقة، وهو أبدا لن يخون الحقيقة، ولهذا كان لا بد من موافقة العديد من الأجهزة، أيضا طلب وحيد ألا يتقيد بتنفيذ المسلسل قبل شهر رمضان ٢٠٢١، يريد أن يمتلك كل الوقت لا أن يمتلكه الوقت، الشرط الأساسى هو الزمن المفتوح، جمعه عدد من الجلسات مع مخرج الجزء الثالث، وهو أيضا الذى أخرج الجزء الأول؛ محمد ياسين.

اعتذر ياسين عن كل ارتباطاته السابقة ليتفرغ للمشروع، فهو أحد أقرب المخرجين من جيل الألفية الثالثة، إلى مشاعر وفكر وحيد، بعد الثلاثة الكبار سمير سيف وعاطف الطيب وشريف عرفة.

أتذكر أننى كنت أزوره فى مجلسه المفضل بالكافتيريا المطلة على النيل، وأجد بجواره الحقيبة مغلقة، وهذا يعنى أنه أعاد الأوراق، سألته عن الإنجاز اليومى فقال لى أمسكت بالقلم ولم أجد نفسى متدفقا على الورق فتوقفت، وحيد يكتب بينما من الممكن أن تلمح حوله صخب الناس، إلا أنه يخلق عالمه الخاص، فلا يسمع ولا يرى فى تلك اللحظات سوى أبطاله، ولهذا فهو كما قال لى لا ألزم نفسى بالقلم، القلم هو الذى يلزمنى بإمساك القلم، والأفكار تتدفق منى على الورق بدون أن أفرضها، كان يكتب خمس حلقات يتقدم بها، وبعد الموافقة يكتب الأخرى، لا أدرى على وجه الدقة كم كتب بالضبط من الحلقات.

حصل وحيد على جائزة استثنائية فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ولأول مرة يتم تغيير مسمى الجائزة لتصبح «الهرم الذهبى»، وقبلها كان قد حصل على أرفع الجوائز المصرية «النيل» ٢٠١٢، ولكنى أرى أن أهم جائزة نالها هى تلك التى تابعناها فى الندوة التى أقيمت له بالمسرح المكشوف ٦ ديسمبر الماضى، أعقاب تكريمه بمهرجان القاهرة، عندما اكتظت الصالة بكل عشاق وحيد ومن كل الأعمار والطبقات، ومن لم يتمكنوا من الدخول للقاعة أضعاف من استوعبهم المكان.

كان وحيد مبهجا وهو يستقبل الأسئلة ومبهجا وهو يجيب عنها، ولولا التزامنا بموعد إنهاء الندوة لاستمرت ساعات.

قرأ «الفلاح الفصيح» روح مصر الوسطية التى لا تعرف أبدا التطرف، ومن هنا جاء موقفه الحاسم ضد الإخوان، وعندما حصل على جائزة «النيل» فى نهاية عام ٢٠١٢ وهى المرحلة الزمنية البغيضة فى تاريخنا التى تولى فيها الإخوان حُكم الوطن، جاءت الضربة الموجعة لهم أيضا من وحيد حامد، «وحيد» هو ثانى سينمائى يحصل على تلك الجائزة- نالها فى ٢٠٠٨ المخرج «يوسف شاهين»- تستطيع أن تعتبرها ضربة استباقية، رسالة تؤكد أن أهم وأشهر كاتب درامى قدم العديد من الأعمال الدرامية التى تفضح الجماعة الإسلامية والتطرف الدينى وآخرها مسلسل «الجماعة» يستحق أرفع الأوسمة، وأن هذا هو أيضا موقف القطاع الواسع من المثقفين.

وحيد لديه تاريخ عريض ومشرف فى هذا المجال نذكر منه مسلسل «العائلة» ١٩٩٤ أول صرخة تليفزيونية ضد التطرف الدينى، بالإضافة إلى أفلام مثل «طيور الظلام»، «الإرهاب والكباب»، «دم الغزال» وغيرها، وكلها تحمل طعنات لكل من يعتقد أنه سوف يتدثر بلحية أو جلباب ويفعل كما يحلو له فى حياة الناس. «وحيد» لم يكتف بهذا القدر حيث أكد أنه بصدد كتابة الجزء الثانى من فيلم «طيور الظلام» ولم يكن لديه مشروع لجزء ثان، والعمل الفنى انتهى بالفعل عند مشهد النهاية وتلك الحيرة التى شاهدناها، والكرة تنطلق وصوت تحطم الزجاج، ولكن أراد وحيد أن يتحداهم فى عز قوتهم وهم يمسكون زمام الوطن.

وحيد حامد كان صوتا للمعذبين فى الأرض بقدر ما كان صوتا للحرية، لم يعبر سوى عن قناعاته وأفكاره، لم يرض أبدا بنصف الحقيقة ولا بنصف الشجاعة، فكان هو المعبر عن أحلامنا وآمالنا وحق الإنسان فى الحياة الكريمة.

شكرًا للأستاذ وحيد حامد الذى منحنى فى حياتى الصحفية هذا التكريم مرتين؛ أن أشهد بداياته فى الإذاعة المصرية «البرنامج العام»، قبل أن يبدأ مشواره السينمائى، وأن أكتب عنه كتاب «وحيد حامد.. الفلاح الفصيح»، بترشيح منه، فكان لى أيضا معه أن أحتفظ بكلماته الأخيرة بين دفتى كتاب.

كنت وستظل المبدع الكبير، والصديق الكبير، والإنسان الذى لا يعرف أبدًا الغياب.



Saturday, January 02, 2021

 كثيرون تناولوا شخصية الملك فاروق بالدراسة والتحليل، بعضهم خلص إلى أنه ليس كما صوره إعلام ثورة ٢٣ يوليو، وأنه لم يكن سكّيرًا، بل كان لا يطيق رائحة الخمر.. ولم يكن زئر نساء.. وإن ظهر بغير ذلك، ولكنه كان فقط يلعب الورق، أى القمار. وبالمناسبة كان لعب الورق من الأمور العادية، حتى إن الزعيم سعد زغلول اعترف فى مذكراته بأنه كان يلعب الورق.. ولذلك نجد من المؤرخين لحياة الملك فاروق من يرون أنه مات مظلومًا.. وإن كان بعضهم قال عنه إنه كان ظالمًا.. بل يراه بعضهم أنه كان يحاول أن يتقرب من الناس.. وكان مسالمًا.

أما والده، الملك فؤاد، فكانت شخصيته مختلفة، كان جبارًا ودائمًا كان متجهم الوجه، أى كان وجهه صارمًا.. ولم يحاول أن يتقرب من شعبه، ولذلك لا يمكن وصفه بالملك المحبوب.. وربما كان ذلك بسبب مواقفه من الثورة الشعبية الكبرى فى تاريخ مصر، أى ثورة ١٩، وربما كان بذلك يحاول أن يحمى عرشه تمامًا كما حاول أخوه الخديو توفيق.. وربما لأنه كان يرى فى نفسه صورة الملك الجبار القوى لكى يهابه الناس، ولكن له إيجابيات عديدة. وفؤاد هذا هو أصغر أبناء الخديو إسماعيل، ورحل مع والده إلى المنفى وعاش فى إيطاليا- وفى غيرها- ولم يحلم يومًا بأنه سوف يجلس على عرش مصر. بل إنه عاش بعض حياته مثل الصعاليك حتى إنه أصبح ضابطًا فى الجيش الإيطالى.

الأميرة شويكار لم يعش معها سعيدًا، وكان قد تزوجها من أجل أموالها فهى حفيدة إبراهيم باشا.. وأنجب منها ابنته الكبرى الأميرة فوقية عام ١٨٩٧، ولما ساءت علاقة «الأمير» فؤاد بزوجته شويكار حاول شقيقها الأمير أحمد سيف الدين قتله وأطلق عليه الرصاص.. ثم تم الطلاق بينهما.. وهذا الأمير لم تكن أمه الأميرة فريال زوجة شرعية لأبيه الخديو إسماعيل، بل كانت من الحريم.

المهم أن فؤاد جاءه عرش مصر على طبق من ذهب بعد أن رفض الأمير كمال الدين، ابن السلطان حسين كامل، عرش مصر.. ولما مات السلطان حسين كامل الذى حكم مصر بين عامى ١٩١٤ و١٩١٧، أصبح الأمير فؤاد سلطانًا على مصر عام ١٩١٧.. وفى عهده اندلعت ثورة ١٩ وأصبح فؤاد ملكًا على مصر بعد تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، إلى أن مات عام ١٩٣٦، ليخلفه ابنه الوحيد الأمير فاروق.. وقد أنجب فؤاد من زوجته الثانية نازلى صبرى بعد فاروق بناته فوزية ثم فايزة ثم فائقة وأخيرًا فتحية.

■ ■ وأقول- للمرة الثانية- إن تجاهل بعض المؤرخين لعصر الملك فؤاد كان سببه صراعه مع ثورة ١٩ الشعبية.. بل تشجيعه إسماعيل صدقى على إلغاء دستور ٢٣ ووضع دستور جديد عام ١٩٣٠. وقد استمر هذا الصراع بين الملك والثورة إلى أن أسقط الشعب دستور ١٩٣٠ الذى كان قد أعاد للملك كثيرًا من السلطات التى كان دستور ١٩٢٣ قد حرمه منها.

ولكن للملك فؤاد جوانب إيجابية.. ربما كان يونان لبيب رزق أفضل من أعاد الحياة إلى الملك فؤاد فى كتابه الممتاز «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول» الذى صدر عام ٢٠٠٥ وأعاد فيه الاعتبار للملك فؤاد.. فماذا قال؟!.