بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Thursday, May 15, 2008

قرأت...أمريكانلي

في رواية (أمريكانلي)، يكتب صنع الله ابراهيم التاريخ المعاصر من خلال يوميات أستاذ جامعي ذهب في مهمة عمل تعليمية إلى أمريكا فيبدأ في المشاهدة، ويشرع في المقارنة بين مجتمعين. ويحاول أن يكتشف من خلال الثقافة الأخرى واقع مجتمعه الخاص، ومن ثم النفاذ إلى سيرة حياته الشخصية أملا في مستوى أعمق من المعرفة. ويلتقط الروائي فتات الحياة اليومية التي تبدو متشابهة عبر النظرة المباشرة والسريعة، ليبني ما يمكن أن نطلق عليه محاكمة أو مساءلة لتاريخ تكون الدولة العربية الحديثة. عبر العودة لتفاصيل نشوء الدول والأنظمة السياسية في منطقتنا ابتداء من الفراعنة وحتى مصر الحاضر، ومن اختلاط الشعوب والغزوات والهجرات تصنع الرواية تصورا لتاريخ مصر المعاصر لكي تصل إلى لحظة التساؤل الكبرى:هل كان يمكننا الوصول إلى مستقبل أفضل لو لم يكن لدينا ما نعانينه من ويلات الإستبداد قديما وحتى الآن؟وبطريقة ساحرة يمزج الكاتب عشرات النظريات والتصورات جائلا بنا بين أحداث تاريخية رسمت تاريخ مصر والمنطقة العربية منذ عقود وحتى الآن، ومنقبا عن أجابات ما تلبث أن تتحول إلى أسئلة بدورها .يشتغل صنع الله على مكونات عمله لكي يقلب السائد في تاريخ الرواية العربية . فبدلا من الترميز والإشارة الملغزة أو التمويه المقصود يذكر الوقائع بوضوح أرشيفي ساطع حتى إنه لا يتورع عن الاستعانة بذكر عشرات المراجع التي اعتمد عليها محولا إياها إلى أحد مكونات النص الروائي ذاته. وهكذا نجد أن سير حياة المثقفين الرواد المتمردين على التسلط تأخذ دورها جنبا إلى جنب يوميات الصحف وما تعززه في ذاكرتنا عما يحدث الآن من وقائع. ويتم استخدام القصص والسير المتعلقة بهذه الشخصيات كي تأخذ دور السند والهامش لكل ما نعيشه من تحولات تفضي إلى التحولات الرئيسية التي تخوضها مصر بكل ما لديها من ارث حضاري وتاريخي. وتحيلنا الرواية بدورها إلى مجموعة أعماله السابقة ففي "نجمة أوغسطس" رسم معمار بناء السد العالي عبر التوازي مع ابداع مايكل أنجلو لتماثيله العظيمة، ومن خلال رؤية تسجيلية وثائقية لا تتورع عن التعامل مع أصغرالتقاصيل وأدق الجزئيات. وفي روايته "ذات" تعرض للتحولات التي شهدتها الطبقة المتوسطة المصرية عبر يوميات حميمة لامرأة تعيش أزمات تلك الطبقة . وفي جميع رواياته ابتداء من "تلك الرائحة" إلى "اللجنة" وحتى "أمريكانلي" لم يكف صنع الله عن استفزاز النزعة المهادنة التي لجأ إليها أغلب كتاب الرواية العربية الذين غرقوا في الرموز والتورية لكي يصنعوا لأنفسهم أمجادا تتجاوز الرغبة في عملية الإبداع نفسها لاستخدامها واسطة للبحث عن مركز أو منصب أو امتيازات ما. لكن، هنا، تتشكل الرواية مع التاريخ وبه، حتى ليكاد الحدث يخرج من الخلفية لكي يصير البطل بحد ذاته . وهكذا يوصلنا الروائي إلى السؤال الصعب :هل يمكن للتاريخ أن يتشكل ويشكل الرواية سويا ؟هل يمكن لحرقة مواطن عانى القهر، والسجن السياسي، وكافة وسائل القمع التي يتعرض لها المواطن "الشريف" في مجتمعاتنا أن يعبر حاجز التاريخ لكي يبني عليه الرواية / الوقائع / كسر حاجز الخوف الذي يطيح بالعقول والأذهان ؟

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home