بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Monday, February 22, 2021

 لا أدرى بالضبط عند كتابة هذه السطور، ما هو العقاب الذى سوف يوجهه المجلس الأعلى للإعلام ضد تامر أمين؟ المؤكد أن هناك عقوبة غليظة تنتظره، ردود الفعل لا تزال تنتشر عبر (السوشيال ميديا)، وكلها تطالب بالقصاص، الذى تراه من وجهة نظرها عادلا.

ما فعله تامر يقع فيه الآخرون، مع اختلاف الدرجة والنوع، فهو يدخل فى إطار التجويد المدمر، يعرفون المطلوب، إلا أنهم، للرعونة فى الأداء، يسرفون فى التعبير.

هل تتذكرون المذيعة التى انتهكت، قبل سنوات، علاقتنا بدولة عربية شقيقة، عندما قرأت الرسالة خاطئة، فقررت أن توجه للدولة الشقيقة اتهامات أخلاقية، كانت تعتقد أن هذا هو المطلوب، نزعت الفتيل وانتظرت أن تحصل على تقدير أو ثناء، فوجدت نفسها مطرودة خارج المنظومة.

الهواء مثل طلقة الرصاص تخرج الطلقة، فإذا لم تصب الهدف ستصيب مرسلها فى مقتل، يجب أن يسفر الأمر فى النهاية عن دماء هنا أو هناك.

رد الفعل أراه فى كثير من الأحيان يتجاوز الفعل، له علاقة بـ(سى فى) المذيع عند الجمهور، أو مع زملائه المتعطشين لفرصة، بعضهم يرى أنه الأحق، هم جالسون منذ زمن على (دكة) الاحتياطى، فيعلنون بأسلوب مباشر أو غير مباشر، ألم نكن نحن الأفضل، كما أن المتلقى طرف فى الحكاية، النيل من مذيع يراه يوميا على الشاشة، يتيح له قدرا من التنفيس عن مشاعر الغضب.

عندما تحدث تامر عن الصعايدة ووصفهم بأنهم يشحنون بناتهم للعمل خادمات بالقاهرة أو الفلاحين الذين يستثمرون أبناءهم فى العمل، انتقلت إليه النيران لتضربه فى مقتل.

العديد من الأفلام والمسلسلات تعرضت لما هو أفدح وأفضح، والحكاية عدت، مثل زواج القاصرات من رجل ثرى خليجى أو غيره وهو قطعا محرم، مهما أحطناه بإطار شرعى فهو يدخل فى دائرة بيع الأعراض، ورغم ذلك عرضت هذه الأعمال الدرامية بموافقة الدولة، لأنها لم توجه اتهاما مباشرا لفئة دون أخرى، وكل من شاهدها كان يرى نفسه فى الجانب الطيب، الذى لا يفرط أبدا فى بناته، رغم أن هناك وقائع معروفة للجميع ووثقتها الصحافة قبل الدراما.

الهجوم الذى يتلقاه تامر وصل لأعلى درجات القسوة عند الزج باسم والده الإذاعى الكبير أمين بسيونى، مشاعر الغضب تستخدم كل الوسائل ولا تفرق بين ما هو مشروع أو غير مشروع.

تامر صنع من نفسه (كاركتر)، عدد محدود من مقدمى البرامج ينطبق عليهم هذا التوصيف، ترسم ملامح لصورة قد تتفق فى جزء مع الحقيقة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن كل الحقيقة، وتامر يلعب دور المتزمت دينيا وأخلاقيا، لا أستطيع أن أجزم بالضبط ما هو مقدار التوافق بين الأصل والصورة.

المذيع فى سوق (الميديا) له ثمن يعلو أو يهبط، و(الكاركتر) يلعب دورا فى زيادة نسبة المؤيدين أو حتى الساخرين.

ليس كل من أطلق رصاصة على تامر كان يقصد فقط رأيه الذى أغضب القطاع الأكبر من المجتمع، هناك حساب بأثر رجعى للعديد من الأشياء الأخرى.

هل تلك هى عدالة السماء التى نراها فى الأفلام ويطلقون عليها فى قانون الدراما (العدالة الشاعرية)؟ أم أن الأمر لا يخلو من الخضوع لسطوة (السوشيال ميديا) وما أدراك ما (السوشيال ميديا)!!




Saturday, February 20, 2021

 نعم كما قال المتنبى، كبير شعراء العرب: (لكل داء دواء يُستطب به/ إلا الحماقة أَعْيَتْ مَن يُداويها).

هكذا رأيت البعض على (السوشيال ميديا) يُكثر من الدعاء ليس من أجل شفاء مريض، ولكن لكى تفتح السماء أبوابها وتنتقم من إنسان بأن تقضى عليه. عبر التاريخ القريب كان الناس يختلفون، وربما يتجاوزون، أثناء تبادل الكلمات التى تتحول إلى لكمات، إلا أنهم عند المرض أو حتى بمجرد عدم القدرة على الرد تتوقف تمامًا المعركة، وإذا لم يستطع المنافس أن يدعو بالشفاء للخصم فهو على الأقل يكتفى بالصمت، ويتوقف عن المشاركة فى توجيه ضربات عشوائية، حتى فضيلة الصمت باتت مستحيلة، الأمر ليس له علاقة برأيك فى مذيع تروقك طريقته أمام الكاميرا أو ترفضها، تُمسك عليه تناقضات، أو تفوتها له، صوته العالى يزعجك، تختلف معه فى استخدام أسلوب تلقين الجمهور، لا بأس قل رأيك، وانتقد، فهذا حقك الطبيعى أو أَدِرْ مؤشر (الريموت كونترول)، لديك عشرات من البرامج المنافسة، واختر المذيع الذى يحلو لك، فلا أحد يمنعك من ممارسة هذا الحق. الكراهية السوداء ليست أبدًا من بين الاختيارات الممكنة، انتظرت بعد الحادث الذى تعرض له عمرو أديب أن أرى الروح المصرية التى تعودنا عليها وهى تدعو بالشفاء للجميع، ولكن كان من بين ما قرأت كلمات أخرى لا تعبر سوى عن تفشى السواد فى قلوب العديد من طبقات المجتمع.

ما الذى حدث فصارت تلك المشاعر المرضية تسيطر على الموقف؟، أعلم طبعًا أن أصحاب الصوت الصاخب والقلوب السوداء هم الذين يملكون مع الأسف القسط الأكبر فى التعامل مع الوسائط الاجتماعية، وهناك جيوش إلكترونية يتم تجنيدها لخدمة هذه الأهداف، كل هذا صحيح وهناك عشرات من الوقائع تؤكده، إلا أن الصحيح أيضًا أننا كمجتمع صرنا نعيش فى بحيرة من التردى الأخلاقى، نعم نهتم أحيانًا بملابس تلك المذيعة أو لقطة لممثل أو تصريح لممثلة أو شهادة دراسية لمطرب نكتشف أنه لم يحصل عليها، أو تورتة عيد ميلاد فى أحد النوادى، كل هذه المشاهد تبدو سفاسف أمام حقيقة ما يجرى فى أعماقنا، ولم يعد يُصنَّف تحت دائرة المسكوت عنه، بعد أن صار يتم الإعلان عنه بكل بساطة وسلاطة، شىء ما تم تدميره، الغريب أنه حميم بالنفس البشرية، افتقدنا النقاء بسبب غبار من الأحقاد أراه مُخيِّمًا على المنظومة كلها.

الغريب أن مثل هذه المشاعر المريضة تصدر عادة عن شخصيات ترفع شعار الإيمان والتقوى، وهم يعتبرون أن مثل هذه الممارسات حقهم الطبيعى فى التعبير عن تقواهم وإيمانهم.

دعواتهم لا أزال أتذكرها وهى تنال مثلًا من رجاء الجداوى وهى على فراش الموت، وبعد الموت أيضًا جاءت الدعوة بسوء العاقبة لأنها من وجهة نظرهم مارست الحرام وهو الفن، قرأت لهم وهم يتمنون الموت لسوسن بدر لمجرد أنها ترحمت على المخرج السورى حاتم على، فتمنوا لها أن تلحق به قريبًا.

إنها رصاصة فى قلب الإنسانية، قبل أن تُوجه إلى قلب المذيع عمرو أديب!!.



Thursday, February 18, 2021

 ساعدت التكنولوجيا الطبية الحديثة فى سرد قصة واحد من أعظم ملوك مصر القديمة، والذى مات فى سبيل إعادة توحيد مصر فى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وذلك فى البحث الذى نشر، أمس، بمجلة Frontiers in Medicine، ويدور حول فحص مومياء الملك سقنن رع- تاعا الثانى، بالأشعة المقطعية والتى أجراها الدكتور زاهى حواس عالم الآثار والدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة.

حكم الفرعون سقنن رع تاعا الثانى، الملقب بالشجاع، جنوب مصر خلال احتلال البلاد من قبل الهكسوس الذين استولوا على الدلتا فى شمال مصر لمدة قرن من الزمان (١٦٥٠-١٥٥٠ قبل الميلاد).

وتم اكتشاف مومياء سقنن رع تاعا الثانى فى خبيئة الدير البحرى عام ١٨٨١ وتم فحصها لأول مرة حينها وكذلك تمت دراسة المومياء بالأشعة السينية فى ستينيات القرن الماضى.

أشارت هذه الفحوصات إلى أن الملك المتوفى عانى من عدة إصابات خطيرة فى الرأس ولكن لا يوجد جراح فى باقى الجسد، وقد اختلفت النظريات فى سبب وفاة الملك، فرجح البعض أن الملك قد قتل فى معركة ربما على يد ملك الهكسوس نفسه، وأشار آخرون إلى أن سقنن رع تاعا الثانى، ربما قُتل بمؤامرة أثناء نومه فى قصره، ورجح آخرون أن التحنيط ربما تم على عجل بعيدًا عن ورشة التحنيط الملكية، وذلك لسوء حالة المومياء.

تقنية الأشعة المقطعية هى إحدى تقنيات التصوير الطبى، وتستخدم لدراسة البقايا الأثرية بما فى ذلك المومياوات بشكل آمن ودون تدخل، مما يساعد على المحافظة عليها، وساعدت الأشعة المقطعية فى دراسة العديد من المومياوات الملكية المصرية وتحديد العمر عند الوفاة والجنس وكذلك كيفية الوفاة.

فى بحثهما، قدم الباحثان المصريان زاهى حواس وسحر سليم تفسيرًا جديدًا للأحداث قبل وبعد وفاة الملك سقنن رع، استنادًا إلى صور الأشعة المقطعية ثنائية وثلاثية الأبعاد والتى تم تركيبها بواسطة تقنيات الكمبيوتر المتطورة، فيظهر تشوه الذراعين أنه يبدو وقد تم بالفعل أسر سقنن رع- تاعا الثانى، فى ساحة المعركة، وقيدت يديه خلف ظهره، مما منعه من صد الهجوم الشرس عن وجهه.

وقالت الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة فى جامعة القاهرة والمتخصصة فى علم الأشعة القديمة: «هذا يشير إلى أن سقنن رع كان حقاً على خط المواجهة مع جنوده يخاطر بحياته مع جنوده لتحرير مصر».

وكشف التصوير المقطعى لمومياء سقنن رع عن تفاصيل دقيقة لإصابات الرأس بما فى ذلك جروح لم يتم اكتشافها فى الفحوصات السابقة حيث أخفاها المحنطون بمهارة.

واشتمل البحث على دراسة أسلحة مختلفة للهكسوس محفوظة بالمتحف المصرى بالقاهرة وشملت فأسا وحربة وعدة خناجر.

وأكد حواس وسليم تطابق هذه الأسلحة مع جروح سقنن رع- تاعا الثانى، فتشير النتائج إلى أنه قتل من قبل مهاجمين متعددين من الهكسوس أجهزوا عليه من زوايا مختلفة وبأسلحة مختلفة، فكان قتل سقنن رع على الأحرى إعداما احتفاليا.

كما حددت دراسة التصوير المقطعى أن سقنن رع- تاعا الثانى، كان يبلغ من العمر قرابة الأربعين عامًا عند وفاته، بناءً على شكل العظام (مثل مفصل ارتفاق العانة) والذى تم الكشف عنه فى الصور، ما يوفر التقدير الأكثر دقة حتى الآن.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت دراسة التصوير المقطعى المحوسب عن تفاصيل مهمة حول تحنيط جسد سقنن رع- تاعا الثانى، منها، على سبيل المثال: استخدم المحنطون طريقة متطورة لإخفاء جروح رأس الملك تحت طبقة من مادة التحنيط التى تعمل بشكل مشابه للحشوات المستخدمة فى الجراحة التجميلية الحديثة، وهذا يعنى أن التحنيط تم فى ورشة تحنيط بالفعل وليس فى مكان غير معد، كما تم تفسيره سابقًا.

وتوفر هذه الدراسة تفاصيل جديدة مهمة حول نقطة محورية فى تاريخ مصر الطويل، فوفاة سقنن رع- تاع الثانى حفزت خلفاءه على مواصلة الكفاح لتوحيد مصر وبدء المملكة الجديدة، فواصل أبناء سقنن رع- تاع الثانى القتال المقدس ضد الهكسوس.

وفى لوحة معروفة باسم لوحة كارنافارون، وجدت فى معبد طيبة بالكرنك، سجلت المعارك التى خاضها كاموس، نجل سقنن رع- تاعا الثانى، ضد الهكسوس، حيث سقط كاموس شهيدًا أثناء الحرب ضد الهكسوس وكان أحمس، الابن الثانى لسقنن رع- تاع الثانى، هو الذى أكمل طرد الهكسوس، فحاربهم وانتصر عليهم وطاردهم حتى شروهن (غزة حاليًا فى فلسطين) ووحد مصر.



Monday, February 15, 2021

 البعض يصفها ببيضة الديك، أى أنها تحدث مرة واحدة فى العمر، وكأنها المعجزة، مع رحيل المطرب البدوى على حميدة عادت مرة أخرى للذاكرة (لولاكى)، الأغنية قطعا لم تغب، ولكن الملابسات التى صاحبت هذا النجاح الاستثنائى أعادت لنا المشهد مجددا، خاصة ممن عاصروا هذا المطرب المثقف الذى وصل إلى أعلى مكانة علمية وجماهيرية، وذلك عام ٨٨، والكل كان يتهافت عليه، ثم بدأ رحلة الانزواء السريع، انطفأت نيران الشهرة لتصبح مجرد رماد تزروه الرياح.

حكايات متعددة نستعيدها لمعرفة سر اللغز، وفى العادة نحاول البحث عن أسباب موضوعية، مثل سوء التخطيط أو الغرور أو المؤامرة، قطعا هناك، ربما شىء من الصحة، إلا أنه فقط يشير إلى بعض الأسباب، يقينا ليست كل الأسباب.

الموهبة منحة قدرية تطول بضع سنوات أو فقط بضعة أيام، (من الذى تآمر ضد على حميدة؟) هل كل شركات الكاسيت تعمدت إسقاطه؟ حصل على أكثر من فرصة وأنتج عددا من الأشرطة لم تستطع أى منها أن تقفز إلى نصف نجاح (لولاكى)، هناك شىء مرتبط بوهج داخلى يخلق لمسة سحرية بين الفنان وجمهوره قد تتجدد أو تتبدد.

تكررت كثيرا، فى أكثر من مجال، هناك كُثر عانقوا النجاح مرة واحدة، هل تتذكرون الممثل عبد العزيز مكيوى المناضل المثقف (على طه) بطل فيلم (القاهرة ٣٠) أمام سعاد حسنى، واحد من أنجح أفلامنا، وقع اختيار المخرج صلاح أبوسيف على هذا الفنان الموهوب، إلا أنه لم يكررها.

قفز للذروة ومن بعدها لم يستطع إكمال الطريق، كان له العديد من المحاولات حتى مطلع الألفية الثالثة، إلا أن الشرارة مع الجمهور لم تتكرر، انطفأ فى لحظات، وفى النهاية عثروا عليه يعيش فى الشارع، يتسول قوت يومه، ولم يتذكر حتى أنه لعب دور (على طه).

لديكم المطرب الشعبى حمدى باتشان بعد بضعة أشهر من نجاح (لولاكى) ردد الشارع المصرى (الأساتوك)، والذى يعنى كعب الحذاء العالى، الأغنية كتبها أمل الطائر، ولحنها حسن إش إش (إيه الأساتوك ده / إللى ماشى يتوك ده / إللى يصحى النايم ده) والشطرة الأخيرة أقضت مضجع الرقابة فقررت مصادرة الشريط.

حصل باتشان على عدة فرص، أضاعها تباعا ولا يزال يحاول إلا أنه لم يعرف طريق النجاح سوى مرة واحدة.

أحيانا نجد أن مطربا قدم مئات الأغنيات، وواحدة فقط تحقق النجاح لتصبح عنوانه، مثل رجاء عبده التى يعرفها الناس باسم مطربة (البوسطجية) التى كتبها أبو السعود الأبيارى ولحنها محمد عبد الوهاب، أيضا نجاة على مطربة (عش الهوى المهجور) تأليف إمام الصفطاوى وتلحين أحمد صدقى (وإن رحت مرة تزور / عش الهوى المهجور / سلم على قلبى)، المطرب محمد مرعى (لأ يا حلو لأ) تأليف مرسى جميل عزيز وتلحين كمال الطويل، وحورية حسن (من حبى فيك يا جارى) لمرسى والموجى.

بعض المخرجين قدموا عشرات من الأفلام، ويتبقى فى الذاكرة واحد مثل كمال عطية صاحب (قنديل أم هاشم) الذى اختير للمخرج ضمن أفضل ١٠٠ فيلم فى تاريخ السينما المصرية.

بيضة الديك ربما، ولكن حتى لو كانت كذلك فهى تستحق أن نسأل لماذا لا يبيض الديك أكثر من مرة، طالما فعلها مرة؟.




Sunday, February 14, 2021

 بدون أى اقتحام منى للنقد الكروى، أستطيع أن أرى فى اللاعب مروان محسن توصيف (الميديوكر)، هؤلاء الذين يقفون فى منطقة متوسطة بين المتذوق الرائع الذى يستشعر الجمال أينما كان، بينما هو عاجز عن خلق الجمال، هؤلاء يشكلون الأغلبية العظمى فى كل المجالات فى الفن والصحافة والأدب، وبين كل المهن مثل الأطباء والمهندسين، القطاع الأكبر فى الحياة إنهم متوسطو الموهبة.

لماذا احتل مروان إذن كل تلك المساحة؟، إذا قلنا مثلا إن لاعبى الكرة داخل الملعب وعلى دكة الاحتياطى ١٥، ستجد بينهم ٥ على أكثر تقدير من الموهوبين والباقى (ميديوكر) مع اختلاف الدرجة فى الحالتين.

مأزق مروان أنه مهاجم، وهؤلاء تحت الأضواء، وأغلب نجوم الكرة فى العالم ستجدهم فى العادة من خط الهجوم، وغالبا رأس حربة، مثل بيليه ومارادونا وبوشكاش وميسى وصالح سليم وأبو جريشة وأبو تريكة والخطيب وحمادة إمام ورضا والشاذلى وطه إسماعيل وحسام حسن، ومحمد صلاح وغيرهم.

مروان قليل التهديف، محدود المهارات، ورغم ذلك يستعان به فى فريق الأهلى وفى الفريق القومى، رغم تغير طاقم المدربين والإداريين، وهذا يعنى أن الجميع مع اختلاف مشاربهم يجدون فيه المجتهد والمؤدى للواجب والمنفذ للتعليمات، أحيانا تصبح مثل هذه الأمور هى المطلوبة أولا.

مروان لا يؤذى أحدا من زملائه، بينما (الميديوكر) أحيانا يرتبط بالحقد وصناعة المكائد، ولعل شخصية أنطونيو ساليرى الموسيقار الغيور فى حياة (موزار) هى الأقرب لتلك الصورة الشائعة لهؤلاء الذين يقفون على الحافة، تتجمع فيهم غالبا الأحقاد، كان ساليرى يتمنى أن يصبح مثل موزار، ويعاتب الله لماذا اختار موزار وأنعم عليه بكل هذه الموهبة ليبدع كل هذا الجمال، منذ أن كان فى السابعة من عمره، وعاش بعدها أقل من ٣٠ عاما، وظل العالم يستمتع به حتى الآن، بينما ساليرى لم يعش له أى إنجاز موسيقى.

الأمر ليس له علاقة بالنجومية، مثلا فى مجال التمثيل، هناك موهوب إلا أنه ليس نجما للشباك، هذه قضية أخرى، لم يكن على سبيل المثال صلاح منصور ولا محمود المليجى ولا توفيق الدقن ولا سناء جميل نجوم شباك ولكنهم الأكثر موهبة.

(الميديوكر) تستطيع أن تلمحه فى مخرج يجيد نظريا كل التفاصيل فى عمل (الديكوباج)؛ تقطيع اللقطات وتحديد زوايا اللقطة، إلا أنه يقف فقط عند تلك الحدود، وتشتعل فى أعماقه كل مشاعر الغيرة، عندما يقدم أحد زملائه الموهوبين عملا فنيا، يصبح سكينا تطعن العمل الفنى، بينما عندما يصبح هو صانع العمل تطعن السكين كل من يقترب إليه بأى نقد، وفى العادة لا يسفر رصيده عن شىء ذى قيمة، حتى الخوف من سلاطة لسانه لا يستطيع إنقاذه من السقوط المدوى. أمثلة عديدة للميديوكر فى كل المجالات، هم إما معرقلين أو فاسدين، وخطرهم طبعا فى لعبة كُرة القدم أقل، لأنك تتعامل مع فريق، متعدد الوظائف وهناك أخطاء مشتركة يتحملها الفريق كله.

مأزق مروان أنه أيضا سيئ الحظ، فى ضربة الجزاء التى أضاعها، جاء المشهد كالتالى، الحارس البرازيلى العملاق ملقى على الأرض بجوار العارضة فى أقصى اليمين، بينما هو يصوب الكرة إلى أقصى اليسار لترتطم بالعارضة خارج الملعب، كان من الممكن مثلا أن تتوجه الكرة مباشرة للشبكة، وبعدها يهتفون باسمه، إنه ليس فقط (ميديوكر) ولكنه أيضا منحوس، وتلك هى (أُم المشاكل)!!.




Saturday, February 13, 2021

 آخر حوار سمعنا فيه صوته على قناة (إم بى سى) مع عمرو أديب، كان يطلب العلاج، وقبل أن تستجيب الدولة كان نقيب الموسيقيين هانى شاكر يجرحه على الملأ عندما قال إنه سوف يدفع من جيبه الخاص مصاريف عضويته السابقة بالنقابة، حتى يتسنى لهم علاجه.

ليست هذه أبدا النهاية التى كان يتوقعها على حميدة، ولا كل من عاصروا زمن تألقه، لقد وصل إلى أعلى المراحل التعليمية فى الموسيقى حاملًا رسالة الدكتوراه فى الغناء الشعبى والفولكلورى، مدرسًا بالمعهد العالى للموسيقى العربية ومعلما أيضا لآلة العود، ومن بين تلاميذه المطربة وردة والمطرب محمد الحلو، وأيضا الملحن الموهوب سامى الحفناوى الذى لحن لأستاذه (لولاكى). على حميدة كان أيضا يكتب كلمات بعض أغانيه ويلحنها.

(راعى غنم) هكذا وصفته بعض الأقلام وكأنه راعية الغنم فى فيلم أم كلثوم الشهير (سلّامة) وهو ما دفع فى النهاية من تطاولوا عليها إلى الغناء وراءها (أبوس القدم وأبدى الندم على غلطتى فى حق الغنم)، ولكن لا أحد اعتذر من مثقفى المدينة لابن مرسى مطروح، الذى لم يتنكر أبدا لأصوله البدوية، بل اعتبرها وسامًا على صدره.

عرفت حميدة بعد أن حققت (لولاكى) تلك الأرقام المليونية، والتى يعتبرها البعض هى الأكثر رواجًا فى تاريخ الأغنية المصرية، ومن ثم العربية، لا أتصور أنه باليقين الأكثر، ولكن كحد أدنى المؤكد أنه من بين الأكثر رواجا، فى الزمن المعاصر، لدينا فى التاريخ طقطوقة أم كلثوم (ليه تلاوعينى)، وأغنية أحمد عدوية (السح الدح إمبوه)، والثلاثى المرح (العتبة جزاز) وعايدة الشاعر (الطشت قالى) وحمدى باتشان (الأساتوك) وشعبان عبدالرحيم (باكره إسرائيل) وحسن شاكوش (بنت الجيران) وغيرها.

لم يتوقع أحد أن يحقق حميدة نجاحا طاغيا، كان قد سبقه منير والحجار والحلو وعمرو وفؤاد، حتى جاءت قفزة (لولاكى)، وذهبت إليه فى الفندق الذى كان يعمل به ووجدت فرقة موسيقية ضخمة حملت اسم (لولاكى) وعشرات من المعجبين والمعجبات يتهافتون لمجرد التصوير والتوقيع، على (الأوتوجراف) فلقد كنا قبل عصر (الموبايل)، الشريط احتوى على نحو ثمانى أغنيات، لم يردد الناس إلا (لولاكى) تأليف الشاعر الراحل عزت الجندى ووزعها حميد الشاعرى، وأتذكر جيدا أن ملحن الأغنية سامى الحفناوى احتج على التوزيع الموسيقى، فى بداية طرح الأغنية للتداول، ووجدها تخون اللحن الأصلى، إلا أنه أمام النجاح الطاغى تراجع، كما أن الأغنية لاقت كالعادة هجوما ضاريا باعتبارها مسفة ومتجاوزة رغم أنها خالية تماما من أى تجاوز ولكننا هكذا تعودنا (عادتنا ولن نشتريها) محاولة التقليل من أى نجاح، وإحالته إما لضربة حظ أو للخروج على الآداب، رغم أن تصنيفها الصحيح أغنية شعبية بدوية، وللحقيقة أن أكثر الأصوات دفاعًا وقتها عن الأغنية كان هانى شاكر الذى قال: (لو أن الملحن سامى الحفناوى عرضها على قبل حميدة لسجلتها فورًا).

الكل كان يتهافت على هذا المطرب الذى صار ظاهرة، لم يلحق زمن الفضائيات، وإلا كانت قد تضاعفت مكاسبه، ورغم ذلك ظلت الضرائب تلاحقه وأتت على كل ما تبقى له ودفع قبل نحو عام ١٣ مليونًا، كان قد تعرض قبلها للسجن بضع سنوات فى جريمة يراها ملفقة، وخرج بالقطع محطمًا تماما، مجرد هيكل إنسان تفاقمت عليه الديون وفى نفس الوقت تفاقمت الأمراض وانتشرت فى جسده النحيل.

كان حميدة هدفا أيضا بعد (لولاكى) للسينمائيين ويرشح لفيلم (لولاكي)، وبدأ التعاقد مع أهم نجمة فى السينما سعاد حسنى ورشح للإخراج على بدرخان ثم يتوقف المشروع، وفى عام ١٩٩٣ ينتج الفيلم بعد مرور خمس سنوات، وبالطبع كان زهو وبريق الأغنية قد تضاءل كثيرا، والفيلم شاركت فى بطولته معالى زايد وأخرجه حسن الصيفى، ولم يحقق أى قدر من النجاح.

تعددت أوجه النجاح للمطربين من الجيل السابق والتالى له، وتغيرت المقاييس، لم يستطع حميدة أن يعثر على الأغنية الثانية التى يكمل بها مسيرته فتعثر فنيا وإنسانيا.

لم يتمكن من إحراز الخطوة الثانية، من الممكن أن نتذكر مثلا شعبان عبدالرحيم الذى لم يحقق الخطوة التالية بعد نجاح (باكره اسرائيل وبحب عمرو موسى) ولكن (شعبولا) الإنسان كان حالة خاصة، ظل شعبان حتى رحيله هدفا للفضائيات.

بينما حميدة انزوى، بعد أن غنى للوطن (لولاكى لولاكى لولاكى / لولاكى ما حبيت / لولاكى ما غنيت)، التى يقول فى نهايتها (إنت الهوى والشوق/ والعشق والمعشوق) تعاملنا معها فقط كأغنية عاطفية شعبية، رغم أن شاعرها الراحل عزت الجندى كتبها حبا فى الوطن.

مأساة على حميدة تكمن فى أسلوب تعاملنا مع النجاح إذا لم تستطع أن تتجاوزه لن يكتفى بأن يتجاوزك، بل يقتلك، وعلى حميدة وكل من أحاطوا به أرادوا أن يستثمروا النجاح الذى كان مثل بيضة من ذهب، كان من الممكن أن تقدم الفرخة بعدها عنقود ذهب إلا أنهم ذبحوها بسرعة طمعا فى الاستحواذ مرة واحدة على كل الذهب.

مات على حميدة وبقيت (لولاكى لولا لولا).. نغنيها للحبيبة وللوطن!!.