بلاغ شخصي

And what have I learned From all this pain I thought I'd never feel the same About anyone Or anything again...

Wednesday, November 21, 2007

جزء من ترجمتي لرواية جديدة لأجاثا..."موت بين السحاب"...ر


من باريس إلى كروي دون

تسلطت سياط شمس سبتمبر الساخنة على مطار لو بورجيه، بينما أخذ الركاب طريقهم عبر أرضيته ليستقلوا طائرة شركة طيران بروميثيوس، والتي ستقلع متجهة صوب كروي دون في غضون دقائق.

كانت جين جراي من بين آخر من دلفوا إليها، حيث جلست إلى مقعدها، رقم 16. بينما كان بعض الركاب قد مر بالفعل عبر الباب الأوسط مروراً بالمطبخ الصغير والحمامين، وصولاً إلى مجموعة المقاعد بمقدمة الطائرة. أغلب الركاب في مقاعدهم. وعلى الناحية المقابلة من الممر علت الأصوات تثرثر – إلا أن أعلاها جميعاً صوت امرأة شديد الحدة. لوت جين شفتاها قليلاً في امتعاض. فهي تعرف نوعية تلك الأصوات جيداً.
"عزيزتي...هذا غريب...ليس لدي فكرة....قلتِ لي أين؟ لو بينيه....بالفعل، هو نفس الحشد القديم...لا مانع بالطبع أن نجلس إلى جوار بعضنا البعض. أوه، ألا يمكننا هذا؟ من....؟ أوه، فهمت..."
بعدها سمعت صوت رجل يقول في تهذيب وبلكنة أجنبية:
"...كم يسعدني هذا، سيدتي".
وجدت جين نفسها تختلس النظر ناحية مصدر الصوت.
وجدته كهلاً ذو شارب ظاهر، ورأس بيضاوية، يتحرك بمتاعه وبكل لطف من المقعد المقابل لمقعد جين في الجانب الآخر من ممر الطائرة.
التفتت جين برأسها بعض الشيء، فرأت السيدتان اللتان تصادف لقاءهما غير المحسوب مع انتقال هذا الغريب المهذب من مكانه. فقد أثار انتباهه ذكر لو بينيه، فقد كانت هي بدورها هناك.
تعرفت على ملامح واحدة من السيدتين – وتذكرت كيف رأتها آخر مرة – عند طاولة الباكاراه، وهي لا تستطيع بيديها ضئيلتي الحجم أن تثبت على شيء – بينما تتقلب سحنة وجهها المتجمل بين الود والتحفظ. فكرت جين أنها تستطيع وببعض من الجهد أن تتذكر اسمها. فقد تحدثت عنها صديقة، قائلةً:"أنها من النبلاء، هذا صحيح، ولكنها ليست من أولئك النبلاء الذين نعرفهم...فقد كانت مجرد فتاة كورس أو شيء من هذا القبيل".
كانت نبرة صوت صديقتها تفضح ازدراءً عميقاً. تلك صديقتها مايسي، والتي تعمل مدلكة لأجساد علية القوم.
خطر لجين أن السيدة الأخرى هي "السيدة الحقة". ذلك النمط "الريفي الجريء". هكذا فكرت جين، قبل أن تطرد الاثنتان من رأسها وهي تحدق بعينيها في المشهد الذي تتيحه لها النافذة لأرض مطار لو بورجيه. تحيط بالطائرة العديد من المركبات المتنوعة. بدت واحدة منها أشبه بحشرة "أم أربع وأربعين" معدنية ضخمة.
أما الموضع الوحيد الذي كانت عازمةً على ألا تتجه بأنظارها إليه فهو ذلك الذي أمامها، حيث جلس شاب في المقعد المقابل لها.
يرتدي كنزةً صوفية ذات لون أزرق يميل إلى البنفسجي قليلاً. قررت جين في نفسها ألا تعلو بنظرها إلى ما هو أعلى من تلك الكنزة. فلو فعلت، فستقع عيناها على عينيه، وأنّى لها أن تحتمل هذا!
صاح الميكانيكيون بالفرنسية – فزأر المحرك – ثم سكت – ثم زأر من جديد – فأزيل كل ما كان أمام الطائرة من مركبات ومعدات – وبدأت تتخذ مسارها فوق الممر.
حبست جين أنفاسها. فقد كانت هذه ثاني رحلاتها بالطائرة. ولا تزال تجد في إقلاع الطائرة متعة. فارقت الطائرة أرض الممر – وارتفعت – تحلق مبتعدةً عن لو بورجيه.
هكذا انطلقت رحلة منتصف النهار متجهةً صوب كرويدون. كانت تحوي واحداً وعشرين راكباً – عشرة منهم داخل الدرجة الأمامية وأحد عشر في الدرجة الخلفية. هذا مع طيارين ومضيفتين. خفت صوت المحركات بصورة تنم عن مهارة قائد الطائرة. فلم تعد هناك حاجة لوضع القطن في الأذنين. علاوةً على أن الصخب داخل الطائرة يدعو المرء إلى أن يسبح مع أفكاره، ولا يحبذ أبداً الدخول في أي حوار.
انشغل كل راكب من ركاب الدرجة الخلفية بأفكاره، بينما كانت الطائرة تهدر فوق فرنسا، وهي في طريقها إلى القنال الإنجليزي.
فكرت جين جراي:"لن أنظر إليه...لن أنظر أبداً...من الأفضل لي ألا يحدث هذا. بل سأبقى أحدق عبر النافذة مستغرقةً في أفكاري. سأفكر في شيء بعينه – هذه طريقة ناجعة على الدوام. سيحفظ لي هذا اتزان عقلي. سأبدأ من البداية ومن ثم أتشعب في التفكير فيه".
وهكذا لاذت بعقلها إلى ذاك الذي أسمته بالبداية، حينما اشترت تذكرةً يناصيب (آيريش سويب). كان ذلك في حينها تبذيراً، إلا أنها أحست بمتعة وهي تشتريها.
بالطبع كان عليها ان تواجه الكثير من الضحكات الساخرة داخل محل تصفيف الشعر الذي تعمل فيه ومعها خمسة شابات أخريات.
"ما الذي ستفعلينه لو فزتي بها، عزيزتي؟"
"أعلم ما سأقوم به"
أحلام – قصور في الهواء – الكثير من الأوهام.
هي لم تفز "بها" في الحقيقة – فقد كن يقصدن الجائزة الكبرى – إلا أنها فازت بمائة جنيه.
أجل، مائة جنيه.
"أنصحكِ يا عزيزتي بأن تنفقي نصفها، وأن تدخري الباقي لوقت أزمة. فمن يدري ما تأتي به الأيام".
هكذا نصحتها واحدة، بينما اقترحت عليها أخرى:"لو كنت مكانك لاشتريت معطف فرو فخم".
"وما رأيك في رحلة بحرية؟"، تلك كانت الثالثة.
استبعدت جين فكرة الرحلة البحرية هذه، وبقت في النهاية على عزمها الأول؛ أن تقضي أسبوعاً في لو بينيه.





0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home