ترجمتي لواحدة من رسائل سينيكا
منشورة في دورية كلية الآداب جامعة القاهرة
..............
في طاعة الإرادة الكونية
أين رشاد عقلك؟ أين تلك الحذاقة في تفحص الأشياء؟ وتلك العظمة في الروح؟ هل جئت لكي تتعذّب بالتفاهات؟ لقد وجد عبيدك في انغماسك في العمل كفرصة لهم للهرب. حسنا، إذا خدعك أصدقائك (دعهم ينعموا بهذا الوصف الذي لا يستحقونه ) - فإذا خدعك أصدقاؤك، أكرّر، فإن كلّ شؤونك ستفتقر إلى شيء ما؛ والحال هكذا فسوف تفتقر إلى الرجال الذين اضروا بمساعيك الخاصة وإعتبروك عبئاً ثقيلاً على جيرانك. لا شيئ من هذه الأشياء غير عادي أو غير متوقّع. فمن الغباء أن تتأثر بمثل هذه الأحداث كما تشتكي من أن ترشّ بالماء في الشارع أو أن تتلطخ بالطين. إنّ تصاريف الحياة تطابق تماما رحلة ما: فأحيانا ترمى عليك أشياء، وأحيانا تتعرض لها بالصّدفة. فالحياة ليست برحلة عمل لطيفة. لقد بدأت رحلة طويلة حيث حتما ستنزلق، وتصطدم، وتسقط، وتصبح مرهقا، وتصرخ: "أوه أين هو الموت!" أو بكلمة أخرى، ستكذب على نفسك. وعند مرحلة معينة ستترك رفيقك خلفك، وتدفن آخر في مرحلة أخرى ، وفي أخرى ستكون جزعاً. وسط عثرات من هذا النوع تسافر هذه الرحلة الوعرة. فهل يتمنّى أحد الموت؟ دع العقل يكن مستعدّا لمقابلة أي شيء؛ أعلمه بأنّه قد وصل إلى الأعالي التي عندها الرعد يلعب. أعلمه بأنّه قد وصل إلى حيث –
وضع الحزن والعناية الإنتقامية أريكتهما،
ويسكن مرض شاحب، وشيخوخة كئيبة.
مع مثل هذا يجب أن تقضّي أيامك. وأنت لا تستطيع تفاديها، ولكن بوسعك أن تحتقرها. وأنت ستحتقرها، إذا أنت فكرت في أغلب الأحيان: وتوقّعت المستقبل. فكلّ شخص يقترب بشجاعة من خطر هيّأ نفسه للقياه من قبل فترة طويلة، وقاوم حتى المشاق إذا زاول سابقا كيفية مقابلتها. لكن، وعلى العكس، فإن الغير مستعد يصاب بالذعر من أتفه الأمور. نحن يجب أن نتيقن من أن لا شيء سيقع علينا غير متوقّع. وحيث أن الأشياء تكون فادحة متى كانت غير مألوفة، فإن التأمل المستمر فيها سيعطيك القوّة، مهما كان الشرّ الكامن فيها، لا أن تلعب دور الجاهل وتتشكى. "عبيدي هربوا منّي! "نعم، فهناك رجال آخرون سرقوا، وابتزّوا، وذبحوا، ولاقوا الخيانة، والمكر، وهوجموا بالسمومّ أو بالإفتراء عليهم؛ فمهما كانت مشكلتك، فإن عليك أن تعلم أنها حدثت لكثيرين. أقول لك ثانية، هناك أنواع منوّعة من القذائف الموجهة نحونا. بعضها مزروع فينا، وبعضها يلوّح به وهي في هذه اللحظة بالذات في الطّريق، وبعضها مقدر له أن يصيب غيرنا بدلاً منا. نحن يجب ألا نتفاجأ بأي نوع من الظروف التي فيها ولدنا، والذي لا يرثى لحاله أحد، ببساطة لأنه مقدر للكلّ. نعم، أقول، بأنه مقدّر على حد سواء؛ لأن الرجل ربّما واجه هذا الذي هرب منه. ولا يقوم القانون على كلّ الذي واجناه، ولكن على الذي يتعرض له الكلّ. كن متأكّدا من أن تصف لعقلك هذا المعنى الخاص بالتساوي؛ فعلينا أن ندفع ومن دون شكوى، ضريبة فنائنا. يجلب الشتاء طقسا باردا؛ ولذا يجب أن نرتعش. يعود الصيف، بحرارته؛ ولذا يجب أن نتعرّق. يزعج الطقس الغير موسميّ الصحة؛ ولذا نمرّض. في بعض الأماكن نجتمع بالوحوش البرّية، أو مع رجال أكثر دمارا من أيّ وحش. الفيضانات، أو النيران، تسبب لنا الخسارة. ونحن لا نستطيع تغيير ترتيب هذه الأمور؛ لكن ما يمكننا تحقيقه هو أن نكتسب قلوب شجاعة، يستحقّها الرجال الأخيار، وبذلك يتحمّلون القدر بشجاعة ويتناغمون مع الطبيعة.
وتلطّف طبيعة هذه المملكة العالمية التي ترى، بفصولها المتغيرة: الطقس الصحو يتلو الغائم؛ وبعد الهدوء، تجيء العاصفة؛ والرياح تهب بالتناوب؛ ويخلف النهار الليل؛ وترتفع بعض الأجرام السماوية، وبعضها يهبط. فالخلود قائم على المتضادات. فأرواحنا يجب أن تعدّل أنفسها وفق هذا القانون، هذا ما تتبعه، وهذا ما تطيعه. فمهما حدث، عليك أن تفترض بأنّه بالتأكيد كان سيحدث، ولا تكن راغباً في عصيان الطبيعة. فما لا تستطيع إصلاحه، فمن الأفضل تحمّله، وتطيع بلا شكوى الرب والذي تحت توجيهه تسير الأمورلأن الجندي السيئ هو الذي يتذمّر عند اتباع قائده. لهذا السبب علينا أن نرحب بالأوامر بطاقة وحماسة، ولا نتوقّف عن إتّباع المسار الطبيعي لهذا الكون الجميل، الذي تنسج فيه كلّ آلامنا المستقبلية.
قدني، يا سيد السماوات العالية،
أبي، لأي مكان ترغبه
أنا لن أتعثّر، لكن أطيع بسرعة.
وحتى ولو لم أكن أرغب، فإني سأذهب، وأعاني
في الذنب والحزن ما ربّما أكون اقترفته
في الفضيلة النبيلة. نعم، الروح الراغبة
المصير هو من يقود، لكن المتمرد هو من ينقاد.
دعنا نحيا هكذا، ونتكلّم هكذا؛ ليجدنا مصيرنا مستعدّين ويقظين. هنا روحك العظيمة - الرجل الذي سلم نفسه لمصيره؛ ومن ناحية أخرى، فإنه ضعيف ومنكوب من يتمرد على نظام الكون ويلجأ إلى اصلاح الآلهة بدلاً من إصلاح نفسه.
والسلام.
أين رشاد عقلك؟ أين تلك الحذاقة في تفحص الأشياء؟ وتلك العظمة في الروح؟ هل جئت لكي تتعذّب بالتفاهات؟ لقد وجد عبيدك في انغماسك في العمل كفرصة لهم للهرب. حسنا، إذا خدعك أصدقائك (دعهم ينعموا بهذا الوصف الذي لا يستحقونه ) - فإذا خدعك أصدقاؤك، أكرّر، فإن كلّ شؤونك ستفتقر إلى شيء ما؛ والحال هكذا فسوف تفتقر إلى الرجال الذين اضروا بمساعيك الخاصة وإعتبروك عبئاً ثقيلاً على جيرانك. لا شيئ من هذه الأشياء غير عادي أو غير متوقّع. فمن الغباء أن تتأثر بمثل هذه الأحداث كما تشتكي من أن ترشّ بالماء في الشارع أو أن تتلطخ بالطين. إنّ تصاريف الحياة تطابق تماما رحلة ما: فأحيانا ترمى عليك أشياء، وأحيانا تتعرض لها بالصّدفة. فالحياة ليست برحلة عمل لطيفة. لقد بدأت رحلة طويلة حيث حتما ستنزلق، وتصطدم، وتسقط، وتصبح مرهقا، وتصرخ: "أوه أين هو الموت!" أو بكلمة أخرى، ستكذب على نفسك. وعند مرحلة معينة ستترك رفيقك خلفك، وتدفن آخر في مرحلة أخرى ، وفي أخرى ستكون جزعاً. وسط عثرات من هذا النوع تسافر هذه الرحلة الوعرة. فهل يتمنّى أحد الموت؟ دع العقل يكن مستعدّا لمقابلة أي شيء؛ أعلمه بأنّه قد وصل إلى الأعالي التي عندها الرعد يلعب. أعلمه بأنّه قد وصل إلى حيث –
وضع الحزن والعناية الإنتقامية أريكتهما،
ويسكن مرض شاحب، وشيخوخة كئيبة.
مع مثل هذا يجب أن تقضّي أيامك. وأنت لا تستطيع تفاديها، ولكن بوسعك أن تحتقرها. وأنت ستحتقرها، إذا أنت فكرت في أغلب الأحيان: وتوقّعت المستقبل. فكلّ شخص يقترب بشجاعة من خطر هيّأ نفسه للقياه من قبل فترة طويلة، وقاوم حتى المشاق إذا زاول سابقا كيفية مقابلتها. لكن، وعلى العكس، فإن الغير مستعد يصاب بالذعر من أتفه الأمور. نحن يجب أن نتيقن من أن لا شيء سيقع علينا غير متوقّع. وحيث أن الأشياء تكون فادحة متى كانت غير مألوفة، فإن التأمل المستمر فيها سيعطيك القوّة، مهما كان الشرّ الكامن فيها، لا أن تلعب دور الجاهل وتتشكى. "عبيدي هربوا منّي! "نعم، فهناك رجال آخرون سرقوا، وابتزّوا، وذبحوا، ولاقوا الخيانة، والمكر، وهوجموا بالسمومّ أو بالإفتراء عليهم؛ فمهما كانت مشكلتك، فإن عليك أن تعلم أنها حدثت لكثيرين. أقول لك ثانية، هناك أنواع منوّعة من القذائف الموجهة نحونا. بعضها مزروع فينا، وبعضها يلوّح به وهي في هذه اللحظة بالذات في الطّريق، وبعضها مقدر له أن يصيب غيرنا بدلاً منا. نحن يجب ألا نتفاجأ بأي نوع من الظروف التي فيها ولدنا، والذي لا يرثى لحاله أحد، ببساطة لأنه مقدر للكلّ. نعم، أقول، بأنه مقدّر على حد سواء؛ لأن الرجل ربّما واجه هذا الذي هرب منه. ولا يقوم القانون على كلّ الذي واجناه، ولكن على الذي يتعرض له الكلّ. كن متأكّدا من أن تصف لعقلك هذا المعنى الخاص بالتساوي؛ فعلينا أن ندفع ومن دون شكوى، ضريبة فنائنا. يجلب الشتاء طقسا باردا؛ ولذا يجب أن نرتعش. يعود الصيف، بحرارته؛ ولذا يجب أن نتعرّق. يزعج الطقس الغير موسميّ الصحة؛ ولذا نمرّض. في بعض الأماكن نجتمع بالوحوش البرّية، أو مع رجال أكثر دمارا من أيّ وحش. الفيضانات، أو النيران، تسبب لنا الخسارة. ونحن لا نستطيع تغيير ترتيب هذه الأمور؛ لكن ما يمكننا تحقيقه هو أن نكتسب قلوب شجاعة، يستحقّها الرجال الأخيار، وبذلك يتحمّلون القدر بشجاعة ويتناغمون مع الطبيعة.
وتلطّف طبيعة هذه المملكة العالمية التي ترى، بفصولها المتغيرة: الطقس الصحو يتلو الغائم؛ وبعد الهدوء، تجيء العاصفة؛ والرياح تهب بالتناوب؛ ويخلف النهار الليل؛ وترتفع بعض الأجرام السماوية، وبعضها يهبط. فالخلود قائم على المتضادات. فأرواحنا يجب أن تعدّل أنفسها وفق هذا القانون، هذا ما تتبعه، وهذا ما تطيعه. فمهما حدث، عليك أن تفترض بأنّه بالتأكيد كان سيحدث، ولا تكن راغباً في عصيان الطبيعة. فما لا تستطيع إصلاحه، فمن الأفضل تحمّله، وتطيع بلا شكوى الرب والذي تحت توجيهه تسير الأمورلأن الجندي السيئ هو الذي يتذمّر عند اتباع قائده. لهذا السبب علينا أن نرحب بالأوامر بطاقة وحماسة، ولا نتوقّف عن إتّباع المسار الطبيعي لهذا الكون الجميل، الذي تنسج فيه كلّ آلامنا المستقبلية.
قدني، يا سيد السماوات العالية،
أبي، لأي مكان ترغبه
أنا لن أتعثّر، لكن أطيع بسرعة.
وحتى ولو لم أكن أرغب، فإني سأذهب، وأعاني
في الذنب والحزن ما ربّما أكون اقترفته
في الفضيلة النبيلة. نعم، الروح الراغبة
المصير هو من يقود، لكن المتمرد هو من ينقاد.
دعنا نحيا هكذا، ونتكلّم هكذا؛ ليجدنا مصيرنا مستعدّين ويقظين. هنا روحك العظيمة - الرجل الذي سلم نفسه لمصيره؛ ومن ناحية أخرى، فإنه ضعيف ومنكوب من يتمرد على نظام الكون ويلجأ إلى اصلاح الآلهة بدلاً من إصلاح نفسه.
والسلام.
0 Comments:
Post a Comment
Subscribe to Post Comments [Atom]
<< Home